حـــرب العميان

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

بقلم: نبيل الصالحي

 

يحكى أنّه في الزمن البعيد كان هناك طائر من طيور أرض الأحلام يحلق في السّماء،

يغرّد في سعادة وهناء، يشاهد الرّبيع في كل مكان، ويغني أغنية الرّبيع البديع،

يغني للجمال، يغني للأحلام، ينثر عذب الكلام، يغني للصفاء، يغني للنقاء،

يغني للسعادة، يغني “العلم نُور”، يغني للأمل وفجأة دخل في الظّلام.

سمع أصواتًا ممزوجة بالآهات. ممزوجة بالآلام. ممزوجة بالأنين.

نظر إلى الأسفل.

يا للعجب، أرض تسبح في الظلام.
سوادٌ ، سواد، سواد !
خراب، خراب، خراب !
ركام، ركام، ركام !
قال: عجيب غريب أمر هذه الأرض.
ربّما هي أرض الظلام.
ربّما هي تلك الأرض المنسيّة التي حدّثني عنها البوم الحكيم.
زاد فضوله، اقترب من الأرض طمعًا في قطع الشكّ باليقين.
على الأرض، طائر مسكين ينقر نقر عشواء.
قال للمسكين: السلام على من اتّبع الهدى.
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
– ماذا تفعل أيّها الطائر المسكين ؟
– أبحث عن طعام لأنني أعمى، ألا تراني أنقر نقر عشواء أم حسبتني من سرب الغباء؟
– وأين أصحابك وعائلتك يا مسكين؟
– أنا طائر يتيم، وأصحابي فقدتهم منذ سنين.

  • وأين جيرانك؟ بقية الطيور؟ أأخذهم السكين؟
  • بعضهم هاجر من سنين، وبعضهم انتحر وبعضهم في صمت يحتضر،

وبعضهم يقاوم مثلي والموت الرحيم ينتظر، كل الطيور هنا أصابها العمى

لذلك تغرد بحثًا عن الرّبيع البديع، ألم، ألم، بلا أمل،

وها أنت تسمع تغريدة الحنين على أنغام موسيقى الموت الرحيم.

لقد سمعت ذلك الأنين أيها الطائر المسكين، وما سبب خراب هذا الوطن الحزين؟
وما السبب الذي جعلكم تفقدون البصر؟
– أيها الطائر الحكيم، فقدنا البصيرة ففقدنا البصر.

-هل من جواب أفصح وأوضح أرجوك؟

-نعم أيها الطائر الحكيم: “العمى عمى البصيرة لا عمى البصر”.
هذا ما تعلمناه بعد أن دفعنا الثمن.
كنا أسعد طيور العرب، بعد دخول الرّبيع صارت كلّ الفصول ربيع لتآخينا وتحاببنا،

-وحمدنا وشكرنا وتسبيحنا لله صباحًا مساءً.
ولكنّنا بالنّعمة كفرنا، ونسينا الله وتجبرنا، وعلى إخوتنا تكبرنا، ولبعضنا مكرنا،

والجب للمظلوم حفرنا، وعلى كلّ القيم والأخلاق تطاولنا،

على العلم والمعلم تطاولنا، على كل حكيم تطاولنا…
رفعنا راية الشّر وأحرقنا راية الخير، وعدنا إلى قانون “البقاء للأقوى”…
صدام، جدال، بغضاء، حروب، قتال، جروح، دماء…
وكانت بداية حرب العميان على أرض العميان.
كلهم عميان،
طائر أعماه الطمع، أعماه الجشع، أعماه المال وبريق الذهب.
طائر أعماه الجهل، صار عقله من خشب.
طائر أعماه الكره، صار قلبه كالحجر.
طائر أعماه الحقد والغل، وبنور صدره ذهب.
طائر أعماه التكبّر، طائر أعماه التجبّر، طائر أعماه التسلّط، طائر أعماه الغرور،

طائر أعماه شيطان السياسة، طائر أعماه الفساد وأموال سوق النجاسة، وطائر

أعماه إعلام النخاسة، طائر أعماه …، طائر أعماه …، طائر أعماه …
لا عدل، لا حق، لا علم، لا حلم، لا أمل، لا قيم، لا أخلاق، لا ضمير ولا بصيرة …
وساد الفساد وكثرت الحروب وزاد الخراب حتى تقاتلنا بأسلحة متطورة أصابتنا جميعا بالعمى.
وبعد العمى ساد الصمت والسلام، وعادت إلينا البصيرة وندمنا على ما فات وها نحن كما ترى،

منذ سنين نغرد بحثا عن الزمن الجميل، ألم، ألم، بلا أمل، وها أنت تسمع تغريدة الحنين

على أنغام موسيقى الموت الرحيم.
كل طائر حزين ولكن لا أحد يتمنى منهم عودة البصر خوفا على البصيرة.

ففقدان البصيرة يعني بداية حرب العميان من جديد.

لذلك أيها الطائر الحكيم عد إلى أرض الربيع، عد إلى أرض الأحلام،
بلغهم منّي السلام وأخبرهم أن: “العمى عمى البصيرة لا عمى البصر”.

وأخبرهم أن: “العلم نور”.
العلم نور.
العلم نور.

 

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet