في شيء من السّــواد والقرمزيّة (قصــة)

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 1

بقلم: ملاك الحيزاوي

أضرمت النّار منتصفين: منتصف الصّحراء ومنتصف قلب عاشقين من الغجر, تتمايل بلباسها الفضفاض الأبيض المرصّع بخرز فضيّ, تتمايل ووقع قدميها المثقلين بخلخال ذهبيّ يرفع الرّمال من مكانها ولا يعيدها, سرقت جاذبيّة أرض تعيش عليها غجريّة ترقص لمحبوبها، وتطفوا الرّمال.

الحان الطّبول تهزّ خصرها، وتبتعد الرّمال  وسط جمع من النّساء ترسل مع نسيم الهواء لمحبوب لا تبارح عيناه ما تشاهدانه, تتلخّص الحياة في المشهد الّذي يراه، تحلّق الرّمال، يرى السّمّار في وجهها الّذي أنارته أشعّة نار. يرى النّقاء في قلبها الّذي رغم قسوة الصّحراء امتلأ أزهاراً، يحسد رداءً لامس رشيقة القوام يراها ترقص في كون مليء بالأنغام… بثق الأمل في حبيبات الرّمال يرسم في ظلام الصّحراء للنّور المجال، يرسم منامًا من الخيال, يريها من خلال الخشية الجمال.

غجريّة تعشقه وهو المعشوق عاشقها، لكن… وما أبشع “لكن” للغجريّة معجبون من بينهم مهووسون، اقتادته للجنون يتقد غيرة ويفكّر في حيرة يمسك في لحظة وسوسة من الشّيطان ما ألقاه أمامه الملعون الرّجيم ويطعن محبوبها طعنةً سبّبت جرحًا عميقًا في قلبه وألما مريرًا في قلبها. طعنة أولى, تحجّرت في مكانها لا تنطق ولا تتحرّك, يتوقّف الكون في تلك اللّحظة وتبقى حبّات الرّمل في الهواء… وثانية تقطع أنفاسها تختنق وتسقط أرضًا، وما عادت الطّبول تعزف لحن الهوى.

فالثّالثة تطفئ شموع عينه وتسيل كحل عينها، وينهمر على بشرة سمراء دمعًا أسود سقيت به أرض تخلّت عنها حبّات رمل أملاً في أن تقبّل السّماء. دموع تنهمر دون توقّف وطعنات في كللا القلبين تنزف رمالاً ذهبيّة… تلونت سواد الكحل ودماء قرمزيّة. غيرة تعمي القلوب وطعنات تقتل نفسين لخسارتهم جمرات تذوب كأنّ خيطًا رفيعًا يربطها بالحياة برحيله تنطفئ نيران وسط الصّحراء، ويخيّم الظّلام وتسودّ الدّنيا بما فيها من أنوار.

حتّى النّجوم تخرج عن قانونها وتستقيم مرحّبة بروحين اعتنقتهما السّماء، رمال ذهبيّة محال تحرّرها من الجاذبيّة، لكن يمكن أن تتلوّن لتصبح في شيء من السّواد والقرمزيّة.

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet