من فصيح الدّارجــة التّونسيـة

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 1

بقلم: محمد العروسي المطوي

 

ضرب، مَضْرب

فعل ضرب فصيح مُتَدَاوَل. وبالإضافة إلى هذا المعْنى العَادِيّ والاستعمالات العامّة فإِن الدّارجَة التونسيّة لها استعمالاتٌ ومدْلُولاَت إما قليلة التداول أو فيها توليدً متميّز، من ذلك:

  • »ضربة واحدة«: بمعنى فَعَل الشّيءَ دُفْعَةً واحدةً، وهو استعمال فصيح. ففي المصباح المنير: أَخَذْتُه ضَرْبَةٌ واحِدَةٌ، أي دَفْعَةٌ (1). ومثله »فَرْد ضَرْبَه«.
  • المضرَبة: إطْلاقُ الدّارِجة التونسيّة كلمة »المضربة« على الحشيّة أو الجرّاية، استِعْمَالٌ فصيح. لكنّه لا يَخْلُو من تجديد لمدْلُوله، لأن المضرَبة في الأصل كِسَاءٌ أو غِطَاء كاللّحَاف ذُو طاقَيْن مَخيطَيْن خِيَاطة كثيرة بينهما قطن ونحوه، أو هو كلّ ما كَثر تضريبُه بالخياطَة (2).

 

واستعمالُ التّونسيّ لِلَفْظَة المضربة لعلّه يعني أكثر من كثرة الخياطة لما يُسْمَعُ ويُشَاهَدُ عند خياطة الجراية وحشوها من ضَرْب عليْهَا باليَدِ أو بغيرها حفظا على استوائها وحرصا على اكتنازها.

جـ) المَضربُ: في الأصْل مكانُ الضّرب، ومن عصر الجاهلية استعملت العربُ لفظَةَ المضرب لمُخَيّمَاتِها وأمكِنة إقامتها. وتقول مثلاً: مضارب شمّر أو بني فُلاَن.

 

وقالت العرب ذلك لأنّ الخيام لا تنتصب إلا إذا شُدّتْ بأوتاد وضُربَتْ حتّى دخلت الأرض. وقد اسْتُعْمِلَ »المَضرب« في تونس لمخيّمَات »المحلّة« ـ أي الجيش فيطلق »المضرب السّعيد« على مَحلّة السّلْطَان عندما تُخَيّمُ في مكان مَا أثناء الخروج للجِبَايَة أو تهْدِئَةِ الاضطرابِ أو صدّ هُجُوم (3).

ومن مكان المحلّة إلى مكان الشّخْص الواحد فتَنْهَر الأمّ ولدَهَا بقولها: »شِدْ مَضْربك« أو المؤدبُ الأطفالَ بقوله: »شِدّوا مضاربكم«.

د) وهنالك استعمالٌ لفِعْل ضَرَبَ لا يَخْلُو من دلالة شِدَّةِ التمكّن أو التّوغّل من أمثال: »ضربت لصقت« و»ضرَبْ فيه السّوس«.

هـ) أمّا قَوْلُ الدّارجة التّونسيّة »ضربت الشّجرة« إذَا دَبّت فيها الحَيَاةُ بعد غَرْسِها أو برزت أوراقُها بعد سُباتها فلعلّه مأخوذ من »ضرب المكان« أو »المَكَان الضّارب« إذا كانت به أشْجَار، أو لعلّنا نتمكّن فيما بعد من تخريج أَدْعَى إلى الاطمئنان.

 

الوَزْرَة

المعَاني الأصليّة للوِزْرِ هي الحِمْلُ الثّقِيلُ، والسّلاَح، والذّنْبُ. وَأَوزَارُ الحَرْب: آلاتُها.

والوَزيرُ: من يشارك رئيسَ الدّولَة في أعباء الحُكْم وثقل المسْؤُوليّة حتّى جرى المثل الشائع في الحكايات القديمة »دَبِّر« يا وزير وإلاّ رأسك يطير«.

والوَزْرَةُ: كِسَاءٌ صغير يُجْمَعُ على وزْرَات (4) أو أنها ثوبٌ كالإتبِ (المريول) ولكن أَقْصَرُ منه، وأنه مما تلبسه المرأة (5).

والذي يهُمُّنَا الآن هو تسميَةُ نوع من اللّباس بالوَزْرَة. وهو ما يزال شَائِعًا ومسْتَعْمَلاً في الجَنُوبِ التونسيّ خاصة في الرّيف والبادِيَة. لكن هذا اللّباس خاصٌّ بالرّجال، وليس قصيرًا بل هو بمثابة البُرْنُس أو المعطف أو الحُولِي تلْبَسُه فوْقَ اللّباس العاديّ للإنسان. والوزرة تغطي البدَنَ كُلَّهُ من الرأس إلى مستدقّ الساق. وهي تُنْسَجُ من صُوف أو وَبْرٍ ويكون لونها أسمر أو بُنّيًّا، ويكون نسيجُها مكتنزًا جِدّا مما يجعلها ثقيلَةَ الوزْن. ومما يجعلها تناسب مدلولات الكساء والحِمْلِ الثقيل. وحَدّ السلاح يسمّى وزرًا لثقله عَلَى لابسه.

 

وللوزرة دَوْرٌ كَبِيرٌ في حَيَاةِ لابِسِهَا، فهي وقايتُه من القرّ والحرّ، وهي ظُلَّتُهُ في القيْلُولة، وَدِفْؤه في الشّتاء. وهي فِراشُه ووسَادَتُه. وبسبب لونها تتحمل الوسخ و»المرمد«. ولهذا كانت من أعز المكاسب وآخر ما يُبَاعُ عنْد الضّرورة القصوى. ولعلّ الكثيرين لا يَعْرِفُون هذا المعنى. ويمرّون مَرّ الكرام على قوْل الشاعر الشعبي في لحن المطربة صليحة:

صاحِبْ على صاحِبْ نبيع الوَزْرَهْ     نَا صَاحْبِي حرّم عليّ الخَزْرَهْ

وممَّا ذَكَرْنَاهُ عن الوزرة من اللّون الدّاكن وتحمّل »المرمد« جاء المثلُ عنْدَ قبائلِ المرازيق في قولهم »بِنْت العَمّ وَزْرَه جَميعْ مَا تدِيرْ فيها ما يبَانِشْ« (6)، كنايةً عن تحمّل بِنْتِ العمّ وعدم تشكّيها من زوْجِها إذا كَانَ ابنَ عمّها.

 

السِّبْر

يُقال فُلان حسن السِّبر والحِبر إذا كان جميلاً، حَسَنَ الهيْئة. قال الشّاعر:

وسِبْرِي أَنّنِي حُرٌّ تقِيّ                وأنّي لا يُزايلُنِي الحَيَاءُ(7)

ويبدو أنّ بيْتَ الشّاعر لا يعني الجمالَ وحُسْنَ الهيْئة فقط بل يعني وصْفًا لسلوك مُعْتَاد عنْدَه. وهو سلوك مقبول ومَحْمُود.

وهذَا المعْنَى قريبٌ جدًّا مما يدور على أَلْسِنَة العَامّة في بَعْض مناطق الجَنُوب التّونسي على سبيل المثال من أن السِّبْر يعْني العَادَاتِ والتّقاليدَ عندما يقولون ـ خاصّة النّساء ـ »كلّ بلاد وسبرها«، أو »هكّة السّبر« أو »هذا سبرنا«. ويَعْنِي ذلك أن لكُلّ بلد عاداته وتقاليده. أو هكذا جَرَت العادة، أو هذه عاداتنا وتقاليدُنا.

وفي بيت الشّاعر ما يؤكّد المعْنَى الذي استعملته الدّارجَة التونسيّة، فما لاَ يُزَايِلُكَ أَصْبَحَ عادَةٌ مستحكمة عندك. كما أن قَوْلَ الزّمخشري (8) »وعرفته بسبره: بما عرف وخبر من هيئته ولونه« مَا يؤيّد ذلك.

وفي مُحيط المُحِيط: السّبْرُ عند العامّة: العادَةُ المصطلحُ عليْهَا (9) وكأنّ هذا المعْنَى ينافي المعْنَى الأصليّ للكَلمة، بينما هو من صمِيمِها. وفي الحِوَار التالي من لهجة المرازيق ما يزيد المعنى المذكور توضيحًا…

ج ـ أخْطاكُم يَا نَاسْ مِنْ ها الاسْبَار. العمَال على ربّي.

ع ـ حتّى أنت سِي بِلْقَاسِم، رَبّي يهْدِيكَ، اللّهْ لاَ يَقْطع لنا العَوائِد. هاذي عادة قديمة من حياة الجدود أبًّا على جَدّ تَانْبَطَّلُوها اليُوم؟« (10).

وكذلك هذا السّيَاقُ الآخَر:

»… عندنا سِبْر لا عزّ المطَرْ يْدِيرُو الذّرْ بوهروش ويلُوذُوا بِيهْ على الدّيَار« (11).

 

جهر

وَرَدَ في المعاجم: جَهِرَت العَيْنُ: لم تُبْصِر الشَّمْس. وجَهَرَ البِئْرَ: نَقّاها أو نزحها.

والاستعمالاَن وارِدَان في الدّارِجَة التونسيّة. فيقال »جْهَرْنِي الضّوء« أو »جهرتني الشّمس«. ويقال جهرت البئر إذا وقعت تنقيتُها مِمّا تَرسَّبَ فيها من أَتْرِبَة وأوْسَاخ.

 

دلوح

يقال : دَلْوَح برأسِه أو دَلْوَح رأسه. معناه أداره أو أَمالَه. وكثيرًا ما يكون ذلك علامة استنكار أو تعجّب أو عدم رضَى.

ومادة »دَلَح« في الفُصْحَى تَعْنِي فيما تَعْنِيه: مشى بحمله غير منبسط الخَطْوِ لثقلِه … وتَدَالَحَاهُ فيما بيْنَهُمَا إِذَا حَمَلاَهُ عَلَى عُود. وحركة رأس الشّخْص في المعنَيين  ـ خاصّة الثّاني ـ تشبه إلى حدّ كبير صُورَةَ حركة الرّأس بما يبعثُ على الانقباض.

 

الشياط

لعلّ أكْثَر اِسْتِعْمالاَت مَادّة (شيط) في الفُصْحَى المُعَاصِرَة هي قولُهم استشاط غَضَبًا أي اشتدّ احتدامُه كأنّه التَهَبَ في غَضَبِه (12).

والدّارِجَة التّونسيّة تَسْتَعْمِلُ هذه المادّة كثيرًا، فبالإضافة إلى »الشّياط« وهو رائِحَةُ اِحْتِرَاقِ الكَتّان والقُطْنِ وما يشبه ذلك فإنّهُم يقُولُون مثلاً: »شاطت المقرونة« أي نشف ماؤها والتصقت بالقِدر وأخذت في الاحْتِراق. ويقولون: »شوّطت رأس النّعْجَة« أو الخروف إذا أحرقت صوفه لتنظفه. وهذا التّعْبِيرُ نفسه موجُودٌ في مَعَاجِم اللّغَة.

 

والشياط يَحْمِلُ مدلول الشّدّة والمبَالَغَة في ترك الطّعام أو غيره فوق النار أو تقع عليه حتّى يحترق، ومن هناك كانت الدّارِجَة التونسيّة تَعْنِي المبالغة في قولهم: »شيّطت في السّوم«، أو »شَيّطْهَا لبعيد«.

ومن أمثالهم »… شيطوا يا أولياء الله«، قالَهَا أحدُهُم عندما أراد ركُوبَ حِمَارِه فاستنجد صائحا »يا أولياء الله« حتى يُعينُوه. ولكنّه تجاوز ظَهْرَ الحِمَار ووقعَ عَلى الأرض. فقال المثل السّالف. يعني لقد بالَغْتُم يا أولياء الله في المساعَدة حتّى تجاوزتُ ظَهْر الحِمَارِ.

 

طَشّ

الطّشُّ والطّشِيشُ في اللّغة هو المَطَرُ الضّعيِفُ، وقد طَشَّت السَّمَاءُ إذا أمْطَرَت خَفِيفًا. وفي الفُصْحَى استعمل الطّشّاش كناية عن البَصَر.

وقد توسّعت الدّارِجَة التونسيّة في اسْتعْمَال مادّة »طش« كنايةً عن القِلّة والضّعْفِ. وقلّة النّظر وضُعف البَصَر فقالوا »الطشّ ولا العَمَى« وفي صِحَاح الجوْهَري ومنْهُ المثَلُ »الطّشاشُ ولاَ العَمَى«. واستعَارَت هَذَا المعْنى حتّى في غير النظر فيقولونَ عن الذي يعرف القليل جدّا من القراءة والكتابة »فلان يطشّ طَشّان«. وإذا كان الطّشاش يَعْني رَذَاذَ المَطر فقد استعارت الدارجةُ التونسيّة تلك القطرات الصغيرة إلى ما يصدر عن النّار الملتهبة من شراراتٍ  صَغِيرة فأطْلقَتْ عليها كذَلك »الطّشَاش«.

ومن الأَمْثِلَة الدّارِجَة كثيرًا »اللّي بَلِّكْ يطُشْنَا« أي ما أصابك كثيرهُ يصيبُنَا قليلُه. وهم يَعْنُون قِلّةَ الخيْر والمَال وكثْرتَهُما. وإذا قال العَربُ قديمًا إِنْ لم يكُنْ وابلٌ فطَلّ فإنّ أَحَد شُعَراء أُنْموذَج الزّمان قال (13).

ومشير كأنه حاكم فيك         مجاز بوابل منك طشَّا

 

مرَّث

في معاجم اللّغة : مَرَثَ به الأَرْض ضربها بِه. ويُقَالُ: مرث التّمر بيده …

لغة: مرثه أي سَحَقَه أو فَتّتَهُ بالماَء بين أَصَابِعه. وكلّ تلْكَ المعَانِي تَعْنِي نَيْلَ الشّيْء بِقُوّة وشِدّة. وهذا المعْنى مُسْتَمِرّ في الدّارِجَة التونسيّة ونفسُ هذا المَدْخَل المعجميّ ـ مَرَّث ـ مَا يزَال رَائِجًا وكثيرًا ما يُستعمل للتّهْديد: لو فعلت كذا لَمرَثْتُ بك الأرْض. وهو استعمال متواصِلٌ منذ القديم، ففي مدارك القَاضِي عياض في ترجمة عيسى بن مسكين هذه الفقرة: »فأمر الرّجُل إلى الحبْس. وقال: لمَّا دَخَلَ عليْنَا أَمينُنَا ومَنْ يُعِينُنَا على الحقّ، أردْت أن تؤذيه وتمرثه« (14).

 

المصــدر: مجلـة المعجمـيّة، العدد 2، 1 يناير 1986م.

 

التعاليق:

×  ينظر العدد الأول من مجلّة المعجمية، ص ص 109 ـ 118.

(1) مادة ضرب.

(2) الوسيط: (ضرب)

(3) المعجم الوسيط: (ضرب)

(4)  ينظر مثلا : تاريخ الدولتين ص 151 و152.

(5) المصباح المنير والمعجم الوسيط: (وزر).

(6) أمين ناصر الدّين: الرافد، 2/ 156.

Boris : Lexique , P666(7)

 

ملاحظة: بقية الهوامش غير موجودة في الأصل.

 

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet