هل أنت مستعدّ للـزّواج ؟

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

بقلم: أ. هذبـاء الغويـلي

 

عندما يُطرح هذا السّؤال على أيّ شخص في سنّ الزواج فإن أكثر الإجابات تتعلق بالجانب المادّي. إمّا أن الظروف المادية غير مناسبة في الوقت الرّاهن ، أو أن هناك بعض الأشياء تحتاج إلى تتمّة. وإذا تمّ تغيير السّؤال من هل أنت مستعد للزّواج؟ إلى ماذا تعرف عن الزّواج؟ فإنّ نسبة كبيرة من الإجابات تعرّف الزّواج على أنّه اقتران الرّجل أو ارتباطه بالمرأة قصد بناء أسرة.  وإذا عدنا إلى المسلسلات العربيّة فإنّها تصوّر الزّواج على أنّه النّهاية السعيدة لأكثر العلاقات الرّومنسية، حيث ترتدي العروس الفستان الأبيض، ويرتدي العريس البدلة الأنيقة ويحتفلان إلى ساعات متأخّرة من اللّيل في جو بهيج مع الأهل والأحباب، ثم يُسدل السّتار إيذانًا ببداية الحياة الزّوجيّة.

 

وفي حقيقة الأمر إنّ هذه الإجابات فيها شيء من الحقيقة، ولكن ليس كلّ الحقيقة لأنّ الزّواج ليس مجرّد بيت وأثاث وأغراض يجب على الطّرفين أن يوفّراها، وليس مجرّد كتلة مشاعر وأحاسيس جمعت بين الطّرفين ويبحثان لها عن مخرج شرعيّ لينعما بها دون خجلٍ أو وجل. فلو كان الأمر كذلك لما وجدنا زيجات تنعم بالثّراء فُكّ رباطها وانتهت بالطّلاق، ولما رأينا زيجات كانت تتويجًا لقصص رومانسيّة غامرة قد هرول كلّ طرف منها إلى قاعات المحاكم يبحث عن خلاصٍ.

نعم مؤسّسة الزّواج وبناء الأسرة، أكبر من هذه الحسابات المادّية والمعنوية.

 

فالزّواج مشروع حياة- شأنه شأن بقية المشاريع المصيريّة – يحتاج إلى تخطيط وتدقيق وبحث ودراية، فإذا كانت قيادة سيارة أو قاطرة تحتاج إلى رخصة تستلزم دروس قبليّة واختبارات عينيّة فإنّ قيادة أسرة يحتاج إلى معرفة أدّق ودراية أعمق. وللأسف الشّديد نسبة كبيرة من المقبلين على الزّواج يفتقرون إلى أبسط المعارف. ولعل أهمّها معرفة الطّرف الآخر معرفةً موضوعيّةً مجرّدة عن العواطف والمشاعر الجياشة المجبولة على رؤية كلّ ما هو جميل في الطّرف الآخر. وعندما تهدأ المشاعر ويخمد توهّجها، وتتم عقلنتها بفعل التّعود والمعاشرة، تبدأ الصّورة المثالية التي رسمها كلّ طرف للآخر تتلاشى وتخبو. ومن هنا يبدأ مؤشّر الصّدام والنزاع في الارتفاع حتى يبلغ ذروته فينحلّ الرّباط الأسري.

 

إذن، فالمشاعر الجياشة لا تبني زواجًا ناجحًا، وحتى نأمن فخ المشاعر غير المستقرّة، يجب أن تكون أول لبنة في الاستعداد للزّواج هي حسن تخير الطّرف الآخر، وقد ورد في الحديث النّبوي الشريف قوله صلى الله عليه وسلم: ” تخيّروا لنُطَفِكم”.

 

إذن، أوّل خطوة للاستعداد للزّواج هي حسن اختيار الطرف الآخر، وعملية الاختيار هي أن يتم التّعرف على الطرف الآخر في علاقته بأسرته وعلاقته بمحيطه وعلاقته بنفسه وعلاقته بربّه. فالشّخص الذي نشأ على برّ  الوالدين ووصل الرّحم ونفع المجتمع والإحسان إلى الغير لا يمكن أن تتغير سيرته بعد الزّواج، ولا يمكن أن يحيد عن طريق سار فيه عمرًا، والعكس صحيح.

 

كذلك الشّخص الذي يحترم نفسه ولا يرضى بالظّلم والدّونيّة على نفسه فإنّه لن يرضى بهما لغيره، لأنه صاحب قيم وصاحب القيم لا تتجزأ عنده القيم والمبادئ، أمّا ذاك الذي لا يحترم نفسه فينظر إلى نفسه نظرةً غير متوازنة، إمّا نظرة دونيّة أو نرجسيّة، ويرضى بالظّلم على نفسه أو يظلم الآخرين فحتما سيكتوي الطّرف الآخر بطباعه تلك.

 

أمّا فيما يتعلق بعلاقة الإنسان بربّه، وهي أهم الأشياء التي يجب أن يعرفها كلّ طرف على الآخر فهي عماد الزّواج المستقر الآمن وأساسه، فالفتاة، أو الشّاب الذي يشتكي من عدم توازن في علاقته مع ربّه لن يكون متوازنًا مع أيّ طرف آخر. ومن علامات حسن التّوازن حضور تقوى الله في قلبه والسّعي إلى نيل رضاه. فمن يتقي الله سيراعي الله في الطرف الآخر فلن يظلمه ولن يبخسه حقّه. وهذا ما نجد له سندًا في حديث الرّسول صلى الله عليه وسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ”.

 

وكما هو ملاحظ فإنّ الحديث يتضمّن المقاصد التي تنكح المرأة لأجلها وترغيب الرّسول صلى الله عليه وسلم بالزّواج من ذات الدّين، وليس الأمر مقصورًا على اختيار الرّجل لذات الدّين بل الأنثى أيضًا عليها أن تختار من ترتضي دينه فيقول الرّسول صلى الله عليه وسلم: “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير”(رواه الترمذي).

 

ولعل نِسب الطلاق المهولَة المصرّح بها في الدّراسات والأبحاث خير دليل على هذه الفتنة والفساد الكبير لأنّ معظم الزّيجات أصبح الدّين عندها آخر المعايير التي يجب أن تتوفر في الطّرف الآخر، إن لم نقل إنّها انعدمت، ولم تعد أساسيّة أو حتى ثانويّة.

 

وإلى جانب هذا كلّه كمرحلة أولى في باب الاستعداد للزّواج تأتي خطوة ثانية لا تقل أهمّية عن الأولى، وهي الشّعور بالانسجام والتّوافق مع الطرف الآخر. فإذا لم يشعر طرف ما  بالقبول والرّضى والألفة نحو الطرف الآخر فعليه أن يعدل عن ذلك، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف. (أخرجه البخاري)، لأنّ عدم الإحساس بالألفة يولّد نفورًا وعدم تقبّل للآخر، وهذا من شأنه أن ينغّص على كل طرف حياته، وتتحول الحياة الزّوجية إلى تصيّد للأخطاء واتهامات مستمرّة متبادلة قد تتطور إلى عنف لفظيّ ومعنوي يؤدّي إلى انهيار الحياة الأسريّة.

 

وتعدّ معرفة الطّرفين بحسن الإدارة من أهم الأمور التي يجب عليهما  معرفتها والتّحلي بها، فالزّواج هو عقد شراكة بين طرفين لإدارة مؤسّسة من أهم المؤسسات الاجتماعية ألا وهي الأسرة، وهذه المؤسسة شأنها شأن بقية المؤسسات تحتاج إلى تسيير وإدارة، وقد تمرّ بأزمات مادّية ومعنويّة، وتحتاج إلى تخطيط وتقدير  لترسو على  برّ الأمان. ومن أهم الصّفات الضّرورية التي يجب توفرها في الطّرفين هي الصبر عند المحن، والتّعامل بحكمة وموضوعيّة لإدارة الخلافات والأزمات.  فحسن إدارة الموارد المادّية والاتّزان في إنفاقها من شأنه أن يجنّب الأسرة النّكسات المادية، فمن يشكو سوء التّدبير عليه أن يفهم ويتعلّم قبل الإقبال على الزّواج.

 

وإلى جانب حسن إدارة الأزمات المادية والمعنويّة، يجب على كلّ طرف أن يدرك كيف يدير ذاته ويتحكّم في مشاعره، فالشّخص الذي لا يستطيع التّحكم بمشاعره لن يستطيع السّيطرة على مسار أفكاره، فانعدام الصّبر وسرعة الانفعال والتّعامل مع الأمور بانفعال وتأثّر يجعل من الفرد غير قادر على إدارة أيّ شيء على الوجه المناسب. فكثيرة هي الزّيجات التي قُوض بنيانها لأنّ أحد الشّريكين أو كلاهما غير قادر على إدارة ذاته والتّحكم في انفعالاته.

 

ومن الأمور الأخرى التي يجب على كلّ طرف أن يعلمها ويعرفها قبل الزّواج هي مسألة تربية الأبناء، فللأسف الشديد يُقبل معظم الشّباب على الزّواج ومعرفتهم بتربية الأطفال تكاد تكون معدومةً، وإن توفرت فهي معرفة سطحيّة مستمدّة من العادات والتّقاليد. ولعل حلات التّنمّر والعنف والانحراف، واختلال القيم والمفاهيم لدى الأطفال اليوم دليل صارخ على عدم توفّر الآباء على رؤية وتصوّر واضح لتربية الأبناء، فإذا أردت الزّواج فاعلم أنّ الزّواج عمومًا يثمر أبناءً، وهؤلاء الأبناء يحتاجون رعاية ومتابعةً وقدوةً توجههم وترشدهم وتسهر على صقلهم وتهذيبهم، وإذا كنت لا تمتلك مهارة تربية الأبناء فلا تظلم أبناءك والمجتمع.

 

وهناك سؤال وجيه يمكن أن يُساعد كلّ مُقبل على الزّواج ويهيّئه لمعرفة طبيعة الزّيجة ومخرجاتها، وهذا السّؤال هو ما الهدف من هذه الزّيجة؟ فإذا استطاع كلّ شريك أن يجيب على هذا السّؤال بكلّ تجرّد فإنه يكون قد قطع شوطًا كبيرًا في تمثّل ما ينتظره وما ستؤول إليه حياته الزّوجية. فمن كان هدفه مجرّد بلوغ من يحب فستكون حياته متعلّقة بمن يحب. ومن كان هدفه تحقيق الاستقرار والتّوازن وإنشاء أسرة سويّة مؤسّسة على الرّحمة والمودة فستكون حياته تدور في هذا الفلك، ومن كان هدفه تحقيق رغبة مادّية فإنّ حياته ستدور في هذا الفلك وهلّم جرًّا.

 

في حقيقة الأمر إن الزّواج مشروع متكامل في إدارته وعظيم في مسؤوليته، وليس كما هو شائع في مجتمعاتنا، حيث انحرف الزّواج عن مقصده الأسمى المتمثّل في تحقيق المودة والرّحمة، وتحقيق التوازن والاستقرار لكلا الطّرفين، وبناء مجتمع سليمٍ يرفع من شأن الأمة الإسلاميّة بين بقية الأمم. ولذا على كلّ مقبل على الزّواج أن يسعى إلى بذل كلّ ما في وسعه للحفاظ على هذا المشروع المصيري ويعمل على الاستفادة من الكتب والدّراسات الحديثة التي من شأنها أن توسّع من آفاق فهمه وتمدّه برؤية واضحة عن الزّواج وعالمه المثيـــر.

 

 

 

 

 

 

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet