بقلم: أ. مُهاب لحبيري
على غفلةٍ من القمر، يسرقني اللّيل من رفوف العدم. يحملني بين ذراعيه كسراجٍ يتيم النّور. لا أشتكي الغدر إذا احتضنني والأهواء تحتضنه، ألوذ بالصّمت رغم آلام الخواء حين أترنّح سيره، لا أشتكي السّواد حين يلتحفني والأبصار تلتحفه، نخترق سويّة أمصار الظّلام.
ندوس الأعماق ولا نغرق و نغوص القمم ولا نلمس السّحاب، يُسارع بي دون التفات وكأنّ وجهته فتيلا يُدغدغ بناره زيت القناديل إذا ما استكانت للسّحر…
هرب بي اللّيل بعيدًا وما أبى عتقًا للعتمة حين تبهرني… يحزنني الرفّ الذي تركني خاويًا، أبكي الكتاب الذي تركني مفتوحًا على الصّفحة التي تلي الفصل الثّالث والثّلاثين. سرقني دون رويّة حتّى أنّ الموسيقى التي كانت تسمعني لم تجد سبيلاً لإسكاتي…
لم يترك للقلم الذي كان يمسكني بين أصابعه المرتعشة فرصة للسّطر الأخير حتّى يكتبني، ترك كوب الماء الذي اعتاد شربي للعطش وطبق الطّعام الذي يغريه مذاقي للجوع حين اختطفني ولم يبال,,,
حتّى شفاه القهوة التي تبتغي فنجاني حرمها من معاقرة رشفتي الأخيرة، خرج بي سريعا ، فلا الأبواب أغلقتني ولا الطّاولة جمعت أشياءها المبعثرة فوقي. لم يُعدْني الكرسيّ مكاني، ولم يترك مجالاً للمصباح ليخمد أنواري و أنا اتدلّى من سقف يأوي إليّ إذا ما استفاق في الغابة عواء الذّئاب,,,
حملني كما وجدني، فلا الملابس، وقاية من البرد، دثّرت جسمي ولا الحذاء الحافي انتعل ساقي الضّيقة عليه نوعا مًا. كانت ملابس خفيفةً تتسربلني، وما إن ركض بي خاطفي حتى اخترقتُ عظام البرد و لفحته بقسوتي وما رقّ لحاله قلبي…
ربّما هي القشعريرة، هي التي أحسّتني حين دغدغتُ مشاعرها، حاولتْ الشّجاعة أن تستحضرني لعلّها تنجح في إدارة المعركة. يتّكئ عليّ الحائط، تقترب منّي النّافذة ، تدير مقبضي ، تفتح دفّتي اليمنى، تأخذ لها نفسٍا ثمّ تعيدني إلى حالتي الأولى وبقايا ملمس أناملها بقي نقشٍا على زجاجي…
هرب بي اللّيل قصيّا وما نوى لي فِكاكا من قبضته إذا اشتدّ دجاها… أغشى جفون النّوم، يحسّني النّعاس، يغالبني فأنتصر… يسارع الفراش إلى دفئي، ينساب الغطاء تحتي، تضعني الوسادة على رأسي وماهي سوى لحظات حتى تراني الأحلام في منامها…
في نصف المسيرة يستيقظ النّوم منّي، يتفقّدني الغطاء وتسوّي الوسادة رأسي، يعود النّوم يبحث عنّي، أغشاه مرّة أخرى إلى أن يأتي الوقت الذي أنسلّ فيه من شقوق الجدران. أداعب جفون النّور لتصحى. تتململ قليلاً ثم ما ينفكّ النّشاط أغمره…
تنصتني الأذان وتصيخ السّمع. كم هي جميلة زقزقاتي على مسامع العصافير، تترنّمها لبرهة ثمّ تغادرني الغرفة نحو وجهة أخرى يكون فيها العمل متفان طوال النّهار حتى يتقنني… حينها فقط أكتشف أنّني أنا من سرقت اللّيل.
ألقيتُ القبض على نفسي بعد مطاردة طويلة، وقفت العدالة أمامي تبتغي حكمًا منصفًا. نطقني الحكم بعد أن راجع تفاصيل القضيّة. أنا سارق ليل فهل أنال السّجن الذي فقد حريّته حين زجّوا به لسنوات وراء قضباني؟
