علي بك ومعـركة بن بشيــر (1881م)

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 1

تعريــب: داليا سليمي

مراجعة: بوجمعة الفيّالي

 

لمّا وصلت فرقة “لوجيرو” العسكريّة إلى محطّة سوق الأربعاء بتاريخ الثّامن والعشرين من أفريل، كان علي باي موجودًا في بن بشير، وقد أرسل أحدَ ضُبّاطه على جناح السّرعة إلى الجنرال لوجيرو في سوق الأربعاء ليُحيطه علمًا بزيارته والحديث معه، فرفض الجنرال استقبال الضّابط، ولكنّه التحق لتوه ببن بشير إلى مخيّم علي باي بالذّات، واعتقد هذا الأخير بأنّ عليه اختلاق بعض الصّعوبات بحجة أنّه كان أخا لحاكم الإيالة ( ومن الأرجح أنه اعتبر نفسه على درجة تؤهّله ليحتفظ بهيبته ونفوذه بين سكان الجهة، وكان يظن كذلك أنّ الجنرال الفرنسي جاء يلحّ ليتمّ قبوله).

 

ولكنّ الجنرال  لوجيرو عاد سريعًا إلى سوق الأربعاء وأشعر علي باي بضرورة الالتحاق بالمخيّم الفرنسي في الغد على السّاعة الثانية بعد الزوال. وبتاريخ التاسع والعشرين، وعلى الساعة المحدّدة وصل علي باي إلى المعسكر الفرنسي في أُبّهة وهيبة كبيرتين، وأعلن بأنّ “الحكومة التّونسية لا تنوي عرقلة عمليّاتنا”، ومن جانبه فقد بذل كل جهوده لتهدئة الغضب والتّوتر السّائدين في البلاد، بيد أن علي باي لم يكن صادقًا في قوله. ونحن نعرف من قبل أنّه كان دائمًا يحرّض السّكان ضدّنا ( فخمير قد ثارت ضد فرَقتي  فنسندون و قالّان، والشّياحيّة ضد فرقة بريم)، وبذل كلّ جهوده ليقنع حاكم الكاف “سي رشيد” بالدّفاع عن حرمة الأرض بكل ما أوتي من جهد.

 

وقد ساد ذلك اللّقاء جوّ من البرود، وخلاله دعا الجنرال لوجيرو علي باي للابتعاد عن ناحية باجة في أسرع وقت ممكن وتحويل مخيّمه إلى مكان آخر قرب تونس في اتجاه تبرسق ومجاز الباب. ومن الغد، يوم الــ30 من الشّهر، في الساعات الأولى من الصباح بدأ علي باي بترحيل فرقته في اتّجاه تونس، ولكن في الأثناء تمّ رفض ترك السلاح لفائدة وحدات أولاد بوسالم والشياحية وعمدون، فصعد أولئك الأبطال الجبال للالتحاق بخمير. وفي اليوم نفسه، أي الثّلاثين قُوبل الجنرال بريم في وادي مليز بالخضوع والتسليم دون مقاومة من قبل وشتاتة، ودخل في صلح مع المراسن وأولاد علي وأولاد سلطان من أهالي “لرّقبة”.

 

وعند وصول فِرقنا إلى سوق الأربعاء وجدت البلد خالية بالكامل، وبعد بضع ساعات قدم أهالي نواحي  جندوبة وجازفوا بالاقتراب من المعسكر وعرضوا منتجاتهم للبيع. وخلال ذ لك اليوم، وبعد شعور الأهالي بالاطمئنان التّام تدفّقوا من جميع الجهات.

 

وفي يوم الثلاثين من أفريل، وقبل زحف الجنرال لوجيرو سيرًا على الأقدام أرسل عناصر استكشاف نحو بن بشير، والانفصال عن فرقة “زواف” الأولى بقيادة العقيد “هيرفاي” كانت مسبوقة بـ “قووم” يسيّرها ضابط من شؤون الأهالي وصولا إلى وادي بول قرب محطة بن بشير وأنّ الضابط قائد ” الـ “قووم” قد استُقبل بوابل من الرصاص من قبل الشياحيّة الذين بادروا بالهجوم المباغت، وقد تمّ رصد نزول الجماعات المسلّحة لأولاد بوسالم وعمدون  عبر المنحدرات المجاورة، وقد أتوا تباعا لمؤازرة الشّياحية. وعلى السّاعة الثّامنة صباحًا أخذ العقيد “هيرفاي” كلّ ترتيباته القتاليّة وطلب المدد من سوق الأربعاء.

 

وصلت فرق المساعدة في منتصف النّهار، وعلى الساعة السّادسة مساءً كان العدوّ على وشك انهيار تامّ وفقدان السيطرة، وقد كانت فرق الاستكشاف الفرنسيّة في مواجهة مع أولاد بوسالم والشّياحيّة وعمدون، تلك العشائر التي كانت تسمع نداءاتٍ تتردّد من الجنود أصيلي المنطقة، وقد كان علي باي برفتهم بتاريخ 29 من الشهر مساءً، وقد كانوا مسلحين، وكانت كلمات شقيق الباي التي وُجّهت لهم قبل رحيل فرقته هي : ” لقد وصل الفرنسيّون، اذهبُوا إلى دياركم واستقبلوهم هناك”.

 

تلك الكلمات التي قالها علي باي  كانت توحي بالحثّ على الكراهيّة. وبالنسبة إلى أولاد بوسالم الذين تركوا عشرين من أولادهم في ساحة الوغى فقد شوهدوا يوم 30 مساءً في مركز سوق الأربعاء يتوسّلون لطلب الحماية من الجنرال الفرنسي، أمّا الشّياحية وعمدون فقد كان الشّوق يحملهم من أجل الثّأر لموتاهم، وقد انسحبوا نحو الشّمال طالبين المدد من قبائل الرّقبة، لكنّ هذه الأخيرة كانت ممنوعة من التحرّك من قبل فرقنا المتمركزة هناك فلم تستطع الاستجابة لتلك الاستغاثة.

 

خلال هذه المواجهة استطاعت الفرق التّونسية المخيّمة في منطقة سيدي روماني قرب سوق الخميس مشاهدة المعركة التي دارت رحاها في سهل أولاد بوسالم، وأما علي باي الذي كان مغتاظًا من تفوّقنا فقد أظهر البُغض والكراهية للأعوان الإيطاليين الملحقين إلى شخصه فكتب بسرعة إلى أخيه يعلمه بمعركة بن بشير، ولإثارة الرأي العام ضدّنا عبّر تقريبًا بهذه الكلمات : “لقد بلغ إلى علمي أنّ الجنرال قائد فرقة سوق الأربعاء قد أراد مصادرة ثلاثمائة حصان وألفي  بغل من أهالي أولاد بوسالم وجندوبة والشّياحية، وقد أجابه أولاد بوسالم وجندوبة أنّ الفقر الذي يعانونه لا يسمح لهم بتلبية هذا الطلب. وبالنّسبة إلى الشّياحية فإنهم رفضوا طلب الجنرال هذا. ونتيجة لذلك فإنّ الفرنسيّين هجموا عليهم وأضرموا النّار في الأكواخ، وقتلوا كلّ من اعترض طريقهم أو وقع بين أيديهم دون تمييز في الجنس أو العمر. وقد سيق الجرحى إلى القائد فقطع رؤوسهم، وشقّ بطون النّساء الحوامل وأخرج الأجنة من بطون الأمهات.

 

هذا وإنّ  الجنرال لوجبرو وجّه رسالةً رسميّة إلى ممثلنا المكلّف بالشّؤون في تونس يحتجّ فيها ساخطًا ضدّ الاتّهامات الموجهة له من قبل علي باي، لكنّ هذا الأخير لم يردّ على ذلك الاحتجاج، بل كان اهتمامه موجّها إلى قبائل مُقعد (بين بنزرت وماطر )، وهي الجهة التي يتعيّن علينا عبورها  كرهًا للزّحف على عاصمة الإيالة بنجاح.

 

المصـــدر: HENRI CHARLES, L’expédition militaire en Tunisie 1881,Paris 1882, p.142-145

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 1

1 فكرة عن “علي بك ومعـركة بن بشيــر (1881م)”

  1. نص مهم جدا يكشف جرائم الاستعمار الفرنسي في تونس ويفند مزاعم الفرنسيين بأنهم جاؤوا إلى تونس لنشر الحضارة والتمدن والتنوير. هذه الحقائق لا يراد لها أن تخرج لكي يعرفها الناس، لكن من كتاباتهم تتم إدانتهم. شكرا للأستاذة دايلا سليمي على جهدها الطيب في تعريب هذا النص، ونرجو لها مزيدًا من التّوفيق في قادم أعمالها.

اترك رداً على Mustafa Stiti إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet