أحـداث 4 أفريل 1938م بوادي مليـــز

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

بقلم: د. حلمي الغزواني

 

تقعُ قرية “وادي مليز” غرب مدينة سوق الأربعاء ( جندوبة حاليًّا)، وهي تتوسط هذه الأخيرة ومدينة غار الدّماء، وقد كانت هذه القرية مسرحًا لأحد أكبر المحطّات التّاريخية الهامة في تاريخ تونس المعاصر، وبصفة خاصة في منطقة جندوبة، وهي أحداث 4 أفريل سنة 1938م التي أزّمت العلاقة بين الأهالي والسّلطة الجهوية الفرنسيّة.

 

كثّف أعضاء الدّيوان السّياسي للحزب الحرّ الدستوري التّونسي الجديد من تحركاتهم داخل البلاد عبر قيامهم بالدّعاية المعادية لفرنسا ورصّ صفوف الحزب في انتظار المعركة الحاسمة. وفي هذا الإطار قاد أعضاء الشّعب الدّستورية بمدينة سوق الأربعاء مظاهرتين يوم 31 مارس 1938 على السّاعة العاشرة والنّصف، شارك في الأولى قرابة مائة شخص والثّانية مائة وخمسين شخصًا. إلاّ أنّ الحدث الأهم سيكون بقرية وادي مليز، وبالتّحديد يوم 4 أفريل من السّنة نفسها، وهو يوم السّوق الأسبوعي، وسيكون بمثابة التّتويج لنضالات الحركة الوطنيّة بالجهة خلال تلك الفترة.

 

بدأت المحاولة الأولى بتنظيم اجتماع في محلّ العطار عباس بن علي بن سليمان مع تعليق رايات (أعلام) تونسيّة فوق باب المحل التّجاري، فتدخل كاهية الرَّقبة ودعا صاحب المحلّ إلى غلقه ومنع وقوع الاجتماع. وبذلك فشلت المحاولة الأولى لتنظيم المظاهرة الكبرى، فغادر الأهالي المكان وتفرّغوا لأعمالهم التّجارية بالسّوق الأسبوعية. وعلى السّاعة الثانية عشرة نهارًا جاءت سيارة (لواج) تحمل علمًا تونسيًّا وعلى متنها ستة أشخاص، وهم أعضاء في الشّعبة الدّستورية بسوق الأربعاء ممّا جعل الأهالي يجتمعون داخل المحل التّجاري وخارجه، وقدّر عددهم خلال تلك اللّحظة بـــ600 شخص ممّا جعل ساحة السّوق تصبح خاليةً من المارّة، وتدريجيا تكوّن حشد من النّاس يضمّ قرابة 2000 شخص، تجمعوا أمام باب المحل التّجاري وتواصل الاجتماع إلى حدود السّاعة الثانية بعد الظهر.

 

وعند انتهاء الاجتماع تمّ اعتقال أعضاء الشّعبة الدستورية من قبل الكاهية وعناصر الأمن ووضعهم في مكتب شيخ وادي مليز للتّعرف على هوياتهم واستجوابهم، تجمع حشد من الأهالي أمام مكتب الشّيخ بتحريض من الأخضر بن عبد الله بن بوقاطف (فلاح بوادي مليز). وأمام ازدياد حدة التّوتر بفعل تهديدات الحشود المجتمعة أمام مكتب الشيخ، توجّه الكاهية إلى الحاضرين ببضع كلمات يدعوهم فيها إلى التروّي والهدوء، ثم تحوّل إلى مكتب البريد لإرسال برقية إلى رئيس قوّات الأمن. وفي الإبّان أعطى محمد بن علي بن عمارة الحنّاشي والمعتقل داخل مكتب الشّيخ إشارة للجموع حتّى تقوم بردّ فعل، فكان أن قامت بقذف المبنى بوابل من الحجارة، فتهشّم باب المكتب ونافذته، فخرج الدّستوريون الستّة من المبنى وحملتهم الجموع على أكتافهم كعلامة نصر.

 

وعلى إثرها استغلّ الدّستوريون المسرّحون هذا الظرف وامتطوا سيارتهم وانطلقوا مسرعين نحو سوق الأربعاء، في الوقت نفسه اتجه “الجندارمي” مارك ريني وأحد الصبايحيّة إلى مكتب البريد لتقديم يد المساعدة إلى الكاهية وقابض مكتب البريد، إلا أنّ المتظاهرين حاصروا هذه المنشأة من كلّ جانب وقاموا برمي الحجارة التي هشمت العديد من النوافذ، فاضطرّ هذا العون بعد أن أصبح مهددًا بالموت إلى الفرار والجموع تلاحقه.

 

وانتقلت هذه الأحداث في اليوم الموالي إلى منطقة غار الدماء، حيث استغل الدّستوريون انتصاب السّوق الأسبوعية يوم الثلاثاء 5 أفريل 1938 م من أجل دعايتهم وتحريض الأهالي على مواصلة المظاهرات والاحتجاجات ضدّ السّلطة الفرنسية قصد تحقيق المطالب الوطنية. ولتجنب انتشار عدوى أحداث وادي مليز في المراقبات المدنية المجاورة كالكاف ومكثر وباجة، التجأت السّلطة الفرنسية بالجهة إلى قمع هذه التّحركات بشتى الطرق والوسائل واعتقال العديد من الوطنيّين ومحاكمتهم بطرق تعسفية.

 

ومجمل القول، تعتبر أحداث 4 أفريل 1938م بوادي مليز التّابعة إداريّا للمراقبة المدنية بسوق الأربعاء هامة من حيث ضخامة عدد المشاركين فيها، والذي قدرته السّلطة الاستعمارية بــ 2000 شخص، شدة عنفها اللفظي والجسدي وقد برز ذلك عبر تهشيم المؤسسات الرّسمية للإدارة الاستعمارية كمكتب الشّيخ ومركز البريد ومطاردة ممثلي السّلطة الفرنسية في القرية كالشّيوخ والكواهي والخلفاوات واعتمادها على قيادة تنتمي إلى الأرياف، حيث تكون جلّها من المزارعين الصغار والمهمشين والعاطلين عن العمل وكلّ المتضررين من السياسة الاقتصادية الفرنسية.

 

كان للأسواق الأسبوعية ( وادي مليز، فرنانة، سوق الأربعاء وسوق الخميس ) دور هام في تعميق الاحتكاك الاجتماعي بين المزارعين والحرفيين والتّجار الصّغار ونشر الوعي السّياسي لدى هذه الشّرائح الاجتماعية. يمكن القول إنّ أحداث 4 أفريل 1938م بقرية وادي مليز كانت بمثابة الشّرارة الأولى لأحداث 9 أفريل، أو ما يسمّى اليوم بعيد الشّهداء والتي راح ضحيتها 22 قتيلاً و150 جريحًا. وهذا ما يجعلنا نتساءل عن سبب تناسي هذا الحدث الهام على المستوى الجهوي والوطني وعدم الاحتفال به حتّى جهويًّا. وتم تخليد ذلك الحدث من قبل دولة الاستقلال حيث أُطلق على أحد الأنهج الصّغيرة اسم 4 أفريل، هل هذا يكفي لتخليد ذكرى عزيزة على قلوبنا جميعًا؟

 

للتّعمق أكثر في الموضوع انظر:

  • عشّي، رضا، محطات نيرة من تاريخ جندوبة في العهد الاستعماري
  • هلالي، عبد الحميد، تاريخ جهة جندوبة، علاقة الحركة الوطنية بالأرياف.
يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet