قراءة في لوحة الرّسام الدّكتور حكيم الهرمي

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

بقلم: أ. منير البولاهمي

 

قامت الصّورة على ثلاثة مشاهد، عمد الرّسام إلى الرّبط بينها ربطًا وثيقًا، أمّا المشهد الأول فيمثّل خلفيّة اللّوحة، وهو عبارةٌ عن مشهد غروب ساحرٍ مبهرٍ ينبئ بانبلاج فجرٍ جديدٍ، يتكوّن من شمس باهتة وأفقٍ تمتزج ألوانه بين البياض والسواد، وحمرة شفق في حالة مخاض عسير يستمدّ القوّة من سعف النّخيل المتطلّع إلى الانبعاث والميلاد الجديد، هذا الميلاد الذي سيبعث الحياة في الوجود من جديد يذكّرنا بظروف ميلاد المسيح عليه السّلام تحت جذع النّخلة، وبظروف نزول الوحي على خاتم الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .

 

                                                        الطبيب والرسام د. حكيم الهرمي

 

 

رســـم الدكتـــور حكيــم الهــرمي 

 

أمّا المشهد الثّاني فهو مشهد سنابل القمح في حقل قد آن أوان حصاده، لذلك طغى اللّون الأصفر على هذا المشهد، فذكّرنا ذلك بقصّة سيدنا يوسف مع السّنوات العجاف وحكمته في ترك القمح في سنابله لتجاوز مشكلة الجفاف وما يقتضيه من حسن تصرّف وتوزيع عادلٍ للثروة تلبيةً لحاجيات النّاس وحفاظًا على أرواحهم. هذه هي مسؤولية الحاكم والرّاعي تجاه الرّعية والمتمثلة أولاً وأخيرًا في تأمين قوت المواطنين بالعدل والحكمة.

 

أمّا المشهد الثّالث فيتصدّر اللّوحة تصدرًا لافتًا للانتباه، وهو عبارة عن نحامين ورديّين يقفان منتصبي القامة لاهيين، قد شغلتهما الدّنيا بزينتها وما تحيل عليه من فتنة الجسد الورديّ المغري في بيئة توحي بالسّحر وكأنّهما قد شربا من إكسير الحياة فنسيا نفسَيْهما، وأنساهما ما يدور حولهما من أحداث وجوديّة مصيريّة. فهما بعيدان عن إدراك حكمة الخالق فيها.

 

هكذا هو حال المخلوقات أنساها الشّيطان سرّ وجودها والهدف من خلقها وشغلها بالمتعة الجسديّة والشّهوات والملذّات وصرفها عن الوعي بوجودها ورسالتها الحقيقيّة في الحياة، فهما يرمزان إلى آدم وحواء، سواء عندما كانا في الجنّة أو عندما نزلا إلى الأرض، وكأنّ المخلوق رغم أنّه كائن روحي سيظلّ سجين الجسد بما يعنيه الجسد من شهوات وملذّات إلى أن ينتصر على عدوه الأول في الحياة ألا وهو الشّيطان.

 

فرغم مرور دهور على وجود الإنسان على وجه الأرض لم يتعلّم من وجوده شيئًا، فهو مازال في غيّه الأول رغم كثرة الرّسل والأنبياء لتنبيهه وإرشاده إلى طريق اليقين والوعي والإدراك والحكمة، ولكن دون جدوى. حقّا الأرض تشهد حالة مخاضٍ عسيرة في ظلّ الجوائح والجدب والجفاف، وفي الطرف المقابل المعني الأول بهذا التّنبيه في غفلة عما يدور حوله، فهل سيشهد العالم حقبة تاريخيّةً جديدةً تنقل الإنسان من حالة اللاّوعي إلى حالة الوعي …؟!

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet