تونس في تسعينات القرن العشرين بعيُون مثقّف تركي

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

إعــداد: د. محمد زكي آيدن

تعريب: د. مصطفى الستيتي

 

مكث الدّكتور محمّد زكي آيدن[1] في تونس نحو 10 أشهر، واطلع على جوانب الحياة فيها، وخبر أهلها وعرفهم عن قرب. وقد نشر مقالاً مطولاً في مجلة كلية الإلهيات التّابعة لجامعة “الجُمهورية”، العدد الأول سنة 1996 تحدّث فيه عن الحياة الاجتماعيّة والثّقافية والدّينية والتعليميّة في تونس في عهد الرّئيس الأسبق بن علي. ونودّ أن ننقل هذا المقال إلى اللّغة العربيّة للاطلاع على رأي هذا المثقّف في ما رآه وعاشه في تونس، وننقل ملاحظاتٍ مهمّة له عن المجتمع التّونسي وعن عاداته وتقاليده، ومن الطّريف الاطلاع كذلك على المقارنة التي يعقدها باستمرار بين المجتمعين التّونسي والتّركي ونقاط التلاقي والاختلاف في مجالات متعدّدة:

 

محبّة تركيا والأتراك:

لقد أقمتُ في تونس لمدة عشرة أشهر خلال العالم الدراسي 1994-1995 في إطار التّعاون الثقافي بين الحكوميتين التّركية والتّونسيّة، وفي هذه المقالة سوف أعرض ما عايشته في تونس لكي يطلع عليه الإنسان التّركي ويستفيد منه، وهذا واجبنا تجاه تونس والتونسيّين.

 

يظهر من خلال المقالات والكتب الكثيرة التي كُتبت عن تونس أن أغلب التّونسيّين يحملون بين جوانبهم محبّة صادقة تجاه تركيا والأتراك. وتتبدى مشاعر المحبّة هذه بشكل أكبر لدى كبار السنّ، وتنبع هذه المحبة مما تركه العثمانيّون من مواقف العدل في بلادهم. ذلك أنّ كبار السنّ بالتحديد عايشوا الاستعمار الفرنسي ورأوا مظالمه، وبالمقابل سمعوا قصصًا من آبائهم وأجدادهم عن عدل العثمانيّين. ويوجد كثير من التّونسيّين يفتخرون بأصولهم التركيّة، وألقاب قسم من هؤلاء “تركي”.

 

بيد أن هؤلاء الذين يقولون إنّ أصولهم تركيّة لا يعرفون من التّركية سوى كلمات قليلة تعدّ على الأصابع، وقليل جدّا منهم مازالت علاقاتهم بأقربائهم الأتراك متواصلة حتى اليوم. وأغلب هؤلاء لا يملك من معلومات بخصوص أصوله التّركية غير كون والده أو أمّه أو جدّه أو جدّته ينحدرون من أصول تركيّة. ويقول التّونسيّون إن ثمة شبها كبيرًا بين تونس وتركيا، فالعلم التّونسي يكاد يكون هو نفسه العلم التّركي لولا اختلافات بسيطة، والرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة اتّخذ من مصطفى كمال أتاتورك قدوةً له ومثالاً. وعند الحديث مع التّونسيين عن الأتراك وعن تركيا يتّضح أن معلوماتهم غير كافية وأحيانًا غير سليمة. فالدّعاية الفرنسيّة نشرت قناعةً تفيد بأن ثورة أتاتورك غيّرت ديننا ومسخت لغتنا، بل إن ثمة من يُبادرنا بالسؤال إن كنّا مسلمين أو غير مسلمين عندما نُخبرهم بأننا جئنا من تركيا.

 

وأغنياء تونس يسافرون في العادة إلى الدّول الأوروبّية، أما الطبقة الوسطى منهم وهم السواد الأعظم  فيفضلون زيارة اسطنبول والمكوث فيها من أسبوع إلى عشرة أيام، ويعودون محمّلين بحقائب الملابس، وثمة من بينهم من يمارسون التّجارة بهذه الطريقة. ويفضل كثير من الشّباب المقبل على الزّواج شراء المستلزمات من اسطنبول، ويرجع السبب في ذلك إلى كون التّونسيين معفيّين من التأشيرة إلى تركيا، وهم يعتقدون أنّ الأسعار والنّوعية في اسطنبول أفضل، ويمتدح التّونسيون الملابس النّسائية التي يكون مصدرها اسطنبول ويثنون عليها.  ويقيم أغلب التونسيين عند السّفر إلى اسطنبول في منطقة “لاله لي”. وهذه المنطقة تغصّ بأناس من جميع النّحل والملل، ولا تعكس الصورة الحقيقية للإنسان التّركي، ولذلك يرجع بعض التّونسيين حاملين لانطباعات سلبيّة عن تركيا. هذا بالإضافة إلى المعاملات السّيئة التي قد يتعرّضون لها من قبل بعض التّجار.

 

الحياة الدّينية

يلخّص أحد أساتذة اللّغة الفرنسية علاقة التّونسي بالدّين وحياته الدّينية بقوله ” التّونسيون يمارسون الدّين باعتباره عادةً من العادات”،  بمعنى أن الأوامر والنّواهي الدينيّة تحوّلت إلى عادات وتقاليد، وهكذا اندمجت الواجبات الدّينية بالعادات. ويُلاحَظ في هذا الخصوص الاهتمام الضّعيف بالفرائض والواجبات الدّينيّة.  ولنأخذ مثالاً على ذلك، ففي تركيا تعدّ قراءة القرآن بلا وضوء، أو عدم الاستماع له عند تلاوته بصوت عال عيبًا كبيرًا، بينما الأمر على خلاف ذلك في تونس، ولا يوجد هذا الإحساس نفسه.

 

ويمكن فهم الأمر بمثال آخر:  فنحن في تركيا نرى أن تصدير كتابة رسالةٍ بالبسملة والحمدلة يكون بدافع دينيّ، بينما يُعد ذلك في تونس عادة من العادات. وقد نجد صعوبةً كبيرة أحيانًا في فهم بعض المظاهر الأخرى؛ ففي تركيا، وبشكل عام عندما يذهب المرء إلى الحجّ أو يتقدّم في العمر يُطلق لحيته، ويرى البعض أنّ من العيب حلقها، بينما يقلّ كثيرًا عدد الملتحين في تونس.

 

وإلى جانب هذا أودّ أن أذكر بعض الفوارق بيننا وبين المجتمع التّونسي. فأغلب التونسيّين على المذهب المالكي، ووفقا لهذا المذهب من المستحب تأخير صلاة الظهر إلى آخر وقتها، ولهذا السبب تجد أن المساجد تفتح أبوابها قبل صلاة العصر بنصف ساعة. وتُصلى الظّهر في جماعة قبل العصر بنحو 10 أو 15 دقيقة، ثم يُؤذن للعصر، وتقام الصّلاة. ثم تُغلق المساجد إلى ما قبل صلاة المغرب بعشر أو 15 دقيقة. ومن أسباب تأخير صلاة العصر  شدّة الحرارة، ففي فصل الصّيف يكون من الصعب جدًا الخُروج وقت الظّهر إلى المساجد للصّلاة في جماعة. وفي المساء كذلك يُغلق أكثر المساجد ما بين صلاتي المغرب والعشاء. ويقال إن من أسباب غلق المساجد على هذا النّحو هو التّوقي مما قد يحدث من أنشطة سياسيّة داخل المساجد كما حصل في أوقات سابقةٍ. ثم إنه للأسباب نفسها طال الإغلاق المساجدَ والمصليّات الموجودة في الجامعات ومساكن الطلاب.  وإذا لم تنتبه جيدًا لوقت الصّلاة فقد لا تجد مكانًا تصلّي فيه بعد أن تغلق المساجد أبوابها. وفي مقابل ذلك، يُرفع الأذان بعناية في الإذاعات وقنوات التّلفزيون الرّسميّة حتى أثناء قراءة الأخبار أو خلال بثّ مباريات كرة القدم. ويتم نقل صلاة الجمعة والخطبة مباشرة عبر التّلفزيون والإذاعة، ويُفتتح البثّ الإذاعي والتّلفزي بالقُرآن ويُختتم به. وأود أن أضيف بأن كلمات رئيس الدولة وخطبه الموجّهة إلى الشّعب عادة ما تبدأ بالبسملة والحمدلة والصّلاة على النبيّ.

 

وتصلى الجُمعة بالمساجد في فترات مختلفة بين وقت الظّهر والعصر، وأحيانا يقرأ القرآن قبيل الصّلاة، ولا يوجد درس ديني ووعظ كما هو الشّأن لدينا نحن في تركيا. بيد أن الصّلاة عندهم تمتدّ ما بين نصف ساعة إلى ساعةٍ كاملة. وتبدأ صلاة الجمعة في جامع الزّيتونة الواقع في مركز المدينة قبل صلاة العصر بساعة ونصف أو ساعتين، وبعد انتهاء الصّلاة يتحلّق النّاس فيقرأون القرآن أو يذكرون الله مجتمعين، وثمّة من يقرأ القرآن عن ظهر قلب، بينما يقرأه الآخرون من المصاحف. وأما من لا يُحسن القراءة فيكتفي بتكرار ما يحفظه من قصار السّور، ثم يعقب ذلك ترديد “يَا لَطيف”.

 

و “يا لطيف” هذه نوع من أنواع الذّكر في تونس. ومثلما هو الشّأن عندنا في تركيا ترديد كلمة “هُو”، ففي تونس يتنشر الذّكر  بقول كلمة “يا لطيف”. وهذا النوع من الذكر يُقال في كل مناسبة، وخاصة بعد صلاة الصّبح، وعند أصحاب الطّرق الصوفيّة. وقد سألت بعض أصدقائي التّونسيين أكثر من مرة مازحًا: “إن لله 99 اسمًا، فلماذا اخترتم اسم “اللّطيف” دون غيره”؟

 

وتستعمل كلمة “لطيف” في تونس بمعنى الإنسان الرّاقي صاحب الأدب الجمّ. وبصورة عامة فالتّونسيون أصحاب طبعٍ لطيف جدًّا، ويمكنني أن أورد كمثال على ذلك أنّ من أكثر الكلمات استعمالا بين النّاس كلمة “سامحني” وتأتي بمعنى “المعذرة”، وكلمة “يعيشك” وتأتي بمعنى “حفظك الله”. والواقع أنّني لا أبالغ في ذلك، فهذا الموضوع يثير اهتمامنا حقّا. وهذا يجعلنا نتساءل عما إذا كان ذلك من تأثير الرّوح الدّينية في أعماق حياة النّاس.

 

وعادة ما تحضر النّساء كذلك للصّلاة في تونس، وخصوصًا لصلاة الجمعة. وأكثر الجوامع مفروشة بالحُصر،  وما يشدّ الانتباه نظافة المساجد وخلوّها من الروائح الكريهة.  وأُرجع ذلك إلى امتناع النّاس عن لبس الجوارب خصوصًا في أيّام الصّيف الحارّة، واستخدام الحُصر لأنها لا تُمسك الرّوائح.

 

ومنارات المساجد في تونس ليست مدوّرة كما هو الشّأن في تركيا بل بُنيت على شكل زوايا مربّعة. وفي بعض مساجد تونس توجد أشكال مخصوصة للمنابر. والمنبر عادة يُخرج من غرفته الخاصة به يوم الجمعة، ثم بعد انتهاء الصّلاة يُسحب إلى الدّاخل مرة أخرى. وفي مساجد كثيرة توجد في جهة القبلة غرفة للإمام ومكان خُصّص لتعليم الأطفال القرآن الكريم. ولا نجد في تونس من يقرأ القرآن أو يؤذّن للصّلاة بصوت جميلٍ، وربما لهذا السّبب استعاضوا عن ذلك باستخدام آلات التّسجيل في رفع الأذن وفي قراءة القرآن على حدّ سواء.

 

والموسيقى الدّينية في تونس غير متطوّرة بالقياس إلى ما هو موجودنا في تركيا. وما نلاحظه أنه لا يوجد اهتمام خاص بهذه النوع من الفنّ، وهذا الأمر مقصور على بعض الفنّانين والفنانات الذين يغنّون بعض الأغاني ذات المحتوى الدّيني ويسمونها “ابتهالات”. ويمكن القول إنّ أكثر التونسيّين يقيمون اعتبارًا كبيرا لشهر رمضان. وتصلى التّراويح في العادة 20 ركعة، ويتم فيها ختم القرآن الكريم. والتّونسيّون يحتفلون في ليالي رمضان في مراكز المدن بطرق مختلفة، ويذكر التّونسيون أنّ هذه الاحتفالات في الماضي كانت تمتد لوقت أطول حتى تُجاوز منصف اللّيل.

 

وتأسست في تونس قبل سنوات وزارة للشّؤون الدّينيّة، والمفتي التّابع للوزارة منُوط بعهدته إعلان مواعيد الأعياد وتنظيم شؤون العباد في البلاد. وأذكار الطّريقة الشّاذلية في تونس منتشرة في البيوت والمساجد. وباستثناء الأنشطة التي تنظمها الدولة في الأعياد والمناسبات الدينية لا نكاد نلاحظ أنشطة أخرى. ويفضل التونسيّون إلقاء التحيّة على بعضهم البعض عند اللقاء بكلمة “سلام” بدل قول “السّلام عليكم”.

 

التربية والتّعليم

تُولي الحكومة التّونسيّة أهميّة كبيرة للتربية والثّقافة، وقد خصّصت نحو ثلث الميزانية لهذا المجال.  ويمتد التّعليم الأساسي لمدة تسع سنوات ما بين سنّ السّادسة والسّادسة عشرة. ثم يأتي التّعليم الثانوي بعد ذلك ويمتد لمدة أربع سنوات.  وفي نهاية الثّانوية يُجرى امتحان عام على النّمط الفرنسي ويسمّى “الباكالوريا”. ويتبوّأ الطّالب مقعده في الجامعة وفق المعدّل الذي يتحصّل عليه في الامتحان. ويمكن دخول هذا الامتحان مرّتين فقط. وتتراوح الدّراسة في الجامعات التّونسية بين سنتين وست سنوات.

 

وفي عام 1994 كان عدد الطلاب 102.791 طالبًا يسهر على تدريسهم نحو 5979 أستاذا جامعيًّا. وفي عام 1983 كانت نسبة طلاب الجامعة 7.5 بالمائة، وارتفعت هذه النسبة لتصل إلى 11.2 بالمائة عام 1994، ويُنتظر أن تصل هذه النّسبة إلى 15 بالمائة عام 2001.  وفي تُونس العاصمة تُوجد أربع جامعات، وتوجد جامعة في كلّ من سوسة وصفاقس.  

 

تعليم اللّغات

اللّغة الرّسمية في تونس هي العربية والفرنسية، وتُستخدم كلا اللّغتين في الخطابات الرسميّة. ويتحدّث التّونسيّون العربيّة باعتبارها لغتهم الأمّ، وهم يتكلّمون اللّهجة العامية، أي “الدّارجة”. وهذه اللّهجة استوعبت كلماتٍ كثيرةً من البربريّة والفرنسية والتّركية والاسبانية والإيطالية. وعامة النّاس يستعملون هذه اللهجة في بيوتهم وفي حياتهم اليوميّة. ويبدأ الطّفل دراسته وقد تعلّم اللّهجة العامّية، ثم يشرع في المدرسة في تعلم “الفُصحى” من كتب اللّغة العربية. ويأخذ الطّلاب في تعلّم اللّغة الفرنسيّة بالمدارس الابتدائية اعتبارًا من الصفّ الثّالث لمدة عشر ساعات في الأسبوع.

 

وفي مستوى التّعليم الأساسي والثّانوي يتعلّم الطالب الانكليزية أو لغة من اللّغات الأخرى مثل الألمانية والإيطالية والإسبانيّة.  والفرنسيّة هي اللّغة الثانية في تونس،  وعندما يعرفون أنّنا من تركيا يكون أوّل سؤال يتوجّهون به إلينا هو عن اللّغة الثانية عندنا. والحقيقة أنّنا نجد حرجًا في الردّ بأنّه لا توجد لدينا لغة ثانية. والسّؤال نفسه كثيرًا ما يتردّد على مسامعنا من الطّلاب الأفارقة، ونحن نجد صعوبة في التّفريق بين اللّغة الثانية واللّغة الأجنبيّة، فهم يعتبرون أنه من الضروري أن يكون لكلّ شخص لغة ثانية.

 

والتّونسيون عادة ما يتحدثون العربية فيما بينهم، بيد أنّهم عندما يقابلون أجنبيًّا تراهم يتحدثون معه بلغته بكلّ يُسر. وإلى جانب تكلّمهم الفرنسية بطلاقةٍ فنحن نلاحظ أنهم بارعون في موضوع تعليم اللّغات الأجنبيّة الأخرى. وللتّونسيّين تعلّق شديد بتعلّم اللّغات الأجنبية. وبالإضافة إلى اللّغات التي مرّ ذكرها من قبل يُوجد اهتمام غير قليل بتعلّم اللّغة الرّوسيّة في المركز الثّقافي الرّوسي.  ويؤسنا أنه لا يوجد مركز ثقافيّ تركيّ في تونس. ويوجد بالجامعة أستاذ يدرس اللّغة التّركية بيد أنه لا يستطيع سد النّقص الحاصل.

 

وينهض معهد بورقيبة للّغات الحية، ومركزه في العاصمة تونس، بدورٍ فعال وناجح في تعليم اللّغات الأجنبية بما في ذلك اللّغة العربيّة. وفي وقت سابق عُقدت اتفاقيّة بين الحكومتين التّونسية والتركيّة بموجبها يتم تدريس اللّغة التركية في هذا المعهد وفي الجامعات الأخرى، غير أنه ولأسباب لا نعرفها لم يقع إرسال مدرّسين أتراك من تركيا.

 

ويعتمد معهد بورقيبة للّغات على مناهج حديثة في تعليم اللّغة العربيّة، ولذلك فهو يحقق نجاحاتٍ ملموسةً. ولهذا السّبب يتوافد على تونس عددٌ كبير من الطّلاب لتعلّم العربيّة. ويكون الإقبال على هذه الدّروس على نحو خاصّ في شهر يوليو، في دروس مكثفة لمدة خمسةِ أسابيع. وبالرّغم من حرارة الجوّ في فصل الصّيف فإن الإقبال على معهد بورقيبة يكون كبيرًا، ويأتي النّاس للتّعلم وكذلك للسّياحة والاستجمام.

 

ويمكن للتّونسيين التقاط قناة TV 2 الفرنسيّة وقناة أخرى إيطاليّة ومشاهدتها بواسطة الهوائيّ العاديّ.  ويُشاهد التّونسيون كذلك قناتين محلّيتين واحدة حكومية تابعة للدّولة وأخرى خاصة مشفّرة. وبالنسبة إلى الذين يملكون الدّش فيُمكنهم متابعة قنوات أخرى بواسطته. وتحرص الحكومة التّونسية على مراقبة ما تبثه قناة TV 2  الفرنسيّة، فهذه القناة عادة ما تبثّ الأخبار المتعلّقة بتونس.

 

وكافة الدّروس في المرحلة الابتدائيّة تكون باللّغة العربيّة، أمّا في المرحلة المتوسّطة والثانويّة فإن اللّغة الفرنسيّة هي المستعملة في تدريس الرّياضيات والفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء (البيولوجيا) والمواد التّقنية. وتبذل الحكومة التّونسيّة جهودًا جادّة لتدريس هذه المواد باللغة العربية، غير أنّ نقص المدرسين الأكفاء باللّغة العربيّة أعاق طموحات الحكومة.

 

وبالنّسبة إلى التّعليم في الجامعة فإنّ اللغة الفرنسية هي المستخدمة غالبًا في تدريس العلوم والتّقنيات والعلوم الاجتماعية. ويوجد نقاش واسع بين الأساتذة في هذا الخصوص، فبعضهم يعتبر أنه لا يكفي أن تكون العربيّة قسمًا مستقلا بذاتها. وأرى أن السّبب في ذلك الاعتقاد بأنّ اللّغة العربيّة عاجزة عن تدريس هذه المجالات.

 

 

التعليم الدّيني

 يبدأ التّعليم الدّيني في تونس منذ الصّف الثالث ابتدائي بواقع ساعتين في الأسبوع، ويتضمّن حصصًا في تعليم القرآن الكريم، وتسمّى هذه المادة “التربية الإسلاميّة”. أما في المستوى الثانوي فيُطلق على هذا الدّرس اسم “التفكير الإسلامي”. وإلى جانب هذا توجد دروس قليلة للقرآن الكريم في بعض الجوامع. وفي المستوى الابتدائي والثّانوي لا يوجد تعليم ديني في مدارس مستقلة مثلما هو الشأن عندنا في تركيا.  وبالنّسبة إلى المستوى الجامعي، فتوجد ثلاث كليات دينيّة تابعة لجامعة الزيتونة. وهذه الكليات هي: “كلية الشريعة”، و”كلية أصول الدّين”، و”كلية الحضارة الإسلاميّة”. في الواقع لا يوجد كبير فرق بين هذه الكليات من حيث البرامج، ولكل كلّية إدارتها الخاصة بها. وأصول جامعة الزّيتونة  ضاربةٌ في القدم، وقد تأسست في زمن قديمٍ جدًّا، وقد بدأت أول أمرها في جامع الزيتونة المخصّص في الوقت الحاضر للعبادة.

 

كان جامع الزّيتونة يحتضن جميع مراحل التّعليم، ويلبي الحاجة للعلوم الدّينية، وقد بدأ التّعليم فيه أساسًا بالعلوم الدّينية. وأما اليوم فإن جامعة الزيتونة أصبحت جامعة مستقلةً تتبع لها ثلاث كليات في العلوم الإسلاميّة، والطّلاب يدخلون هذه الكليات حسب نتائجهم في امتحانات الثانوية العامة (البكالُوريا). وبوسع المتخرجين من هذه الكليات الحصول على وظائف مثل التّعليم في المدارس أو موظفين في الجَوامع. بيد أنّه وبسبب قلة الوظائف فإنه من الصّعوبة حصول المتخرّجين على وظيفة. وهذا بدوره يحول دون توافد طلاب على درجة عالية من الكفاءة.

 

وتستمر الدّراسة في كليات الشّريعة أربع سنوات، وبوسع الطّلاب الذين يُكملون دراستهم مواصلة بحوثهم في مستوى الماجستير والدّكتوراه بشرط الحصول على الدّرجات التي تؤهلهم لذلك.  ويختلف البرنامج في جامعة الزيتونة عما هو عندنا من حيث أنّه يحتوي على مسألتين مهتمين الأولى تحت عنوان “قضايا الفكر الإسلامي المعاصر” والثانية تحت عنوان “الاستشراق”. ولا توجد في هذه الكليات عناية بتحسين جودة قراءة القرآن الكريم.

 

ويوجد عدد كبير من الطّلاب الأجانب، ومن بينهم طلابٌ أفارقة يزاولون دراساتهم في مستوى اللّيسانس والدّراسات العليا في كلّيات الشّريعة التّابعة لجامعة الزّيتونة وكذلك في الجامعات التّونسية الأخرى. وفي العام الدراسي 1994-1995 كان عدد من يدرسون من الأتراك في هذه الجامعة أربعة طلاب. وأود أن أسلّط الضوء على بعض نقاط الاختلاف بين الجامعات التّونسية وجامعاتنا في تركيا؛ إذ لا توجد في الجامعات التّونسية خطة أستاذ مساعد أو موظّف باحث، ويحصل طلبة الماجستير والدّكتوراه على منحة قدرها 140 دينارًا.، وبوسع هؤلاء الطّلاب أن يُقيموا في المساكن الجامعيّة.

 

والموظف العادي في تونس يحصل على راتبٍ قدره نحو 200 دينار. وراتب المعلم في مستوى التّعليم الابتدائي والمتوسط ما بين 300 و 400 دينار. أما أساتذة الجامعات فراتبهم في حدود 1000 دينار شهريًّا. ولا توجد في الكليات بالجامعات التّونسية غرف خاصّة بكلّ أستاذ مثلما هو الشّأن عندنا في تركيا. وتوجد غرفة واحدة يجتمع فيها أعضاء هيئة التّدريس، وفي كلّيات أخرى توجد غرفة لكلّ قسم من الأقسام. والمدرّسون يغادرون الكلّية بعد أن يفرغوا من تقديم محاضراتهم.

 

ومن الأمور المختلفة التي تلفت الانتباه في الجامعات التّونسية طبيعة الأسئلة التي تطرح على الطلاب في  الامتحانات الفصلية والامتحانات النّهائية، فالطالب يُمتحن في سؤالين أو ثلاثة أسئلة لا تعتمد على الحفظ بل على التّفكير والتّحليل. وهذه الطريقة في التّعليم، وإن كانت تحرّر إمكانيات الطّالب وتخلّصه من مشقّة الحفظ فهي تخضع في التّقييم إلى جانب ذاتيّ لدى الأستاذ المدرّس.  وأود أن أختم هذا القسم بالإشارة إلى أن الحجاب بالنّسبة إلى الطالبات ممنوع في الجامعات التّونسية.

 

الحياة الاجتماعية والثّقافية

يسعى الشعب التّونسي في حياته الاجتماعيّة إلى العيش على الطّريقة الغربيّة، وهو يتقدم على هذا الطريق. وقد بدأ هذا التوجه مع الحبيب بورقيبة على إثر جلاء فرنسا ونيل تونس لاستقلالها. وأبرز مؤشّر على هذا التحوّل الحرّية الكاملة التي مُنحت للنّساء في البلاد. ويدور الحديث عن هذا الموضوع بين نساء تونس بالفخر والاعتزاز لدى البعض وبالشّكوى والتذمّر لدى نساء أخريات. وينشأ الشاب ضمن العائلة على تربية أسرية محافظة حتى سن الثّامنة عشرة، ثم بعد ذلك ينطلق حرًّا يفعل ما يريد. وبوسعنا القول إن العلاقات هنا بين النّساء والرّجال أكثر تحررًا مما هو الشّأن عندنا. ومعدّل سن الزّواج في تونس في حدود 30 عامًا، ونسبة الطلاق عاليةٌ جدا، ويظهر أن العوامل الاقتصاديّة هي السّبب الرئيس في ذلك.

 

والتونسيون، وهم يسيرون في طريق التحضّر والمعاصرة لم يتخلّوا تمامًا عن لباسهم التّقليدي مثلما فعلنا نحن، فالرّجال يلبسون الطواقم واللّباس الرّسمي في الدوائر الحكوميّة بينما يلبسون لباسهم التّقليدي بعد الفراغ من أعمالهم. وبالنسبة إلى النّساء فهن يلبسن إمّا اللباس التقليدي المتمثل في “السّفساري” والذي يشبه الملحفة ويغطي كامل أجزاء الجسم، أو يلبسن اللّباس الغربي الحديث الذي يكشف عن الرأس. وفي تونس من الصّعب أن ترى عددًا كبيرًا من النّساء المحجّبات كما هو الأمر عندنا في تركيا.

ومن الأخبار السّارة في تونس أنّ المشروبات الكحولية والمخدرات ليست منتشرة على نطاق واسع. ووسيلة الترفيه الأساسية بالنسبة إلى الشاب هي كرة القَدم، وكما هو الشأن في جميع دول العالم الثّالث فكرة القدم هنا تحظى بشعبية كبيرة جدًّا. وهنا لابد من الإشارة إلى أنّ الدّولة تولي اهتماما واضحا للرّياضة والمرافق الرياضيّة، وكمثال على ذلك، فحتى في الأماكن الناّئية يمكن أن تصادفك أحواضٌ مخصصة للسّباحة.

 

وإذا جئنا للحديث عن الحياة الثقافيّة، فيمكن تلخيصها بكلمة واحدة وهي أن ثمة حركية ثقافيّة بارزة للعيان. فدور السّينما، ونوادي الأفلام والفيديوهات، ومراكز الشّباب منتشرة في كلّ مكان، وتعمل بنشاطٍ حثيث. والشأن نفسه بالنّسبة إلى المؤتمرات والمحاضرات، والاجتماعات، وحفلات الموسيقى والليالي الشّعرية…

 

والمتاحف في تونس كثيرة  ومنتظمة. ويتم كل عام تنظيم معرض دوليّ للكتاب بالإضافة إلى معارض أخرى محلية كثيرة في مجالات مختلفة.  وما نلاحظه كذلك أن المكتبات تقدم خدمات راقية لروادها، وتفتح المكتبات أبوابها كلّ يوم بما  في ذلك يوم الأحد، وهي تشهد إقبالاً جيدًا من قبل القراء. والدولة حريصة على توفير أسباب الرّاحة لروادها.

 

وفي المجال الثقافي، أودّ أخيرًا أن أؤكد أن التّونسيين يحبّون الموسيقى، وبوجه خاص الموسيقى الخفيفة التي تبعث على السّعادة والفرح. وتلاميذ المدراس يتلقون تعليما موسيقيا جيدًا منذ الصّفوف الأولى من المستوى الابتدائي. ووفق ما يصرحون به هم أنفسهم فإنّهم يشعرون بالارتياح أكثر مع الموسيقى التّركية أكثر مما هو الشأن مع الموسيقى الغربيّة. ولا يوجد ميل كبير إلى الموسيقى الغربية باستثناء بعض الفئات من الشّباب. وإلى جانب الموسيقى نلحظ كذلك اهتمامًا بالرسم والتزيين، وغير ذلك من الفنون اليدويّة الأخرى.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]  عضو تدريس بجامعة الجمهورية، كلية الإلهيات، قسم التفكير الديني.

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet