قــراءة في رواية “أيــوب التّونسي” لعبد المجيد بني عمـر

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

بقلم: الأستاذ الأمين الكحلاوي

صدرت الرّواية في طبعتها الأولى سنة 2019م عن المطبعة الثقافية للنشر والتوزيع تونس، وهي تتكون من 141 صفحة.

 

“الكتابةُ عالم وجود وإحياء دائم للأمل، ودرب إلى الحرّية وعر”، هكذا حدث أيوب (ص 31)، وقد صنف المؤلف روايته ضمن أدب السجون وإن خلا السّجن من كلّ أدب، فالشدة تولّد الهمّة، والمأساة هي روح الأدب “فالأدب مأساة أو لا يكون” على حدّ تعبير الأديب التّونسي المسعدي.
وأدب السّجون لم يخل منه عصر، فكان منه الشّعر والنّثر.

 

ما هو أدب السّجون؟

هو نوع أدبي يكون صاحبه إما مقيدًا في مكان ضد إرادته فيكتب حول تجربة السّجن، ويمكن أن تكون مذكّرات تكتب بعد الخروج من السجن وتتناول الحياة خلف القضبان، وتنقل صور التّعذيب والتنكيل بالنفس البشرية، ويتميز أدب السجون بالواقعية عمومًا.

 

ونود أن نذكر بعض العناوين لكتاب اشتهرت كتاباتهم السّجنية أمثال “شرق المتوسط” لعبد الرحمان منيف الكاتب السعودي والصادرة عام 1972م،  وهي التي مهدت للكتابات السّجنية في العالم العربي. “تلك العتمة الباهرة” للطّاهر بن جلّون، وكذلك رواية “القوقعة” للكاتب السّوري مصطفى خليفة، ورواية “السجينة” للروائية المغربية مليكة أوفقير، و”أيام من حياتي” لزينب الغزالي، و”اليد الصغيرة لا تكذب” لعبد الحميد الجلاصي، و”يا صاحبي السجن” ورواية “يسمعون حسيسها” لأيمن العتوم. و”برج الرومي” لسمير ساسي، و”جمرة في القلب” لحميد عبابدية، و”الشتات” لخديجة التومي، و”المبصرون” للمياء العوني، و”أحباب الله” لكمال الشارني، وكتابات جلبار نقاش مثل رواية “كريستال”، و”حصاد الغياب” لعبد الحميد الجلاصي…

 

وقيمة هذه الكتابات على اختلاف مستوياتها الفنية والأدبية تتلخص في قيمتها الوثائقية، هكذا أينما فسدت السلطة نبتت السجون وتكاثرت،
فالطغيان لا يخشى شيئا كخشيته يقظة الشعوب، وصحوة القلوب؛ ولا يكره أحدا كما يكره الداعين إلى الوعي واليقظة؛ ولا ينقم على أحد كما ينقم على من يهزون الضمائر الغافية. لكن النفس البشرية حين تستيقن حقيقة الإيمان، تستعلي على قوة الأرض، وتستهين ببأس الطغاة، وتنتصر فيها العقيدة على الحياة, وتختار الخلود الدائم على الحياة الفانية.

 

قرأت الكتاب فوقع في نفسي شيء لم أتعوده في ما قرأت في غيره، ذات تتكلم وتحكي آلاما فيحولها قلمه المبدع إلى نص مفعم بأمشاج من انفعالات تطوح بالقارئ في عوالم قصية شبيهة بالخرافة، غرابة واستحالة وما هي من الخرافة، بل واقع تذوق مرارته جيل من أبناء تونس في أقبية السجون والزنزانات وتحت سياط الجلادين بأمر من أناس ما عرفوا يوما أنهم بشر، فهم كالحجر تكلست مشاعرهم وقلوبهم فعميت بصائرهم وعقولهم.

 

في الكتاب تعترضك أسماء زبانية التعذيب من بوكاسا إلى الزو وغيرهما، فلا يذكرونك إلا بسياط الظلم وهراوات الغدر تسلخ الأجساد جلدا وتحبس الأنفاس دهرًا، كيانات بشرية لا كالبشر قدت طينتها من حجر”وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار”، عالم السجن هو عالم مغاير لعالم الناس العاديين، عالم الظلمة والظلام والسواد والألم، عالم تنتهك فيه آدمية الإنسان من قبل أخيه الإنسان فيصبح الإنسان ذئبا للإنسان كما يرى هوبز وأشد الظلم وأقساه ما كان من الأهل وأبناء جلدتك ووطنك، وأشد من المستعمر قساوة ظلم ذوي القربى:

وظُلْمُ ذَوِي القُرْبَى أَشَدُّ مَضَاضَـةً       عَلَى المَرْءِ مِنْ وَقْعِ الحُسَامِ المُهَنَّـدِ

ورواية “أيوب التونسي” لعبد المجيد بني عمر تلخص عذابات جيل تاق إلى الحرية، وتجسّد صراعًا بين فئتين، بين الحاكم والمحكوم فانطبعت بطابع سياسي وصارت الرواية شهادة أدلى بها صاحبها كغيرها من الشهادات التي رأت النّور إثر الثورة المباركة التي حرّرت الأقلام، فانبرت تسارع الزمن لتسجل تلك الفترة القاتمة من تاريخ تونس قبل أن يطويها النسيان.

 

أدب السجون إدانة لفترة من الحكم في تونس تعرض فيها المعارضون بشتى ألوانهم لصنوف من العذاب جردت الكائن البشري من إنسانيته، إلا أنها لم تستطع بما تملكه من قوة ومكر أن تقتلع من السجناء قيم الحرية والتحدي والمقاومة كما قال محمود درويش في ديوانه “آخر الليل” في قصيدته رد الفعل:

وطني يعلّمني حديد سلاسلي عنفَ النّسور ورقّة المُتفائل

 

وهكذا تتحول طاقة السجين إلى قوة يغالب بها مرارة السجن من خلال تكيفه مع محيطه الجديد، فعندما يزجّ بالسّجين في غياهب السجن يقلب صفحة الواقع ويستقبل بكل كيانه كل العوالم المخيفة والمرعبة يهيئ جسده لمواجهة الوحوش البشرية.

وقد نجح الكاتب في أن يتغلّب على المحنة ويفلت من إسار الواقع فنأى بنصه عن مجرد التسجيل اليومي والحرفي لمجريات الواقع الأليم فارتقي بنصه إلى مصاف الرواية الأدبية بشروطها الفنية
والتقنيات الروائية:

 

السّرد الرّوائي:

اعتمد السّارد أسلوب الاسترجاع القائم على التذكر فعاد إلى الماضي يستقي منه بعض ما خلد في الذاكرة، سواء في المرحلة الابتدائية أو تلميذًا بالثانوي أو طالبًا بالجامعة أو سجينًا، انتقال بديع في الزمان يطوح بالشّخصية بين الأزمنة ماضيًا وحاضرًا ومستقبلا، فالذّكرى تخترق الزمن وترسم ملامح الشخصيّة.

الخطاب الرّمزي:

والمستثنى عند النّاس تدركه الأبصار وينهل من سيرته الموحشة المبدعون وينقلنا من الاستثناء اللغوي إلى الاستثناء الوجودي، ومن السجين الاستثنائي إلى القانون الاستثنائي “غادر التّلاميذ القسم إلاّ أيّوب” (ص 13).

 

الشّخصيات في الرّواية:

هي التي صنعت عالم القص وتفاعلت في ما بينها فأنتجت عالما روائيّا مليئًا بالقضايا التي تمسّ حرية الإنسان وكرامته، وهي أصناف مختلفة في وعيها وفي وظيفتها، وفي فعلها وفي خصائصها، وخاصة شخصيّة أيّوب، فهي متميزة وهي استثناء في الرّواية، وهي الوسيط الإيجابي: “هكذا أيوب يحمل عشقنا وصداقتنا ويرعانا إن نحن ضللنا الطريق” ( ص 123). ويعتبر أيوب الشّخصية الرئيسية في الرواية، فالمستثنى بطل الرواية قد حاز من الصفات منذ صغره ما أهله ليكون بطلا وقائدًا، يقول في الصفحة 15: “يأتمر صبيان القرية باحكامي وقراراتي وأحكم بينهم في المباريات… ولا معقب لحكمي”، وكذلك له من المميزات ما يجعله بطل المستقبل، ص19: “وهو يربي بدنه على التحدي والمقاومة وكأنه كان يدرك بأنه سيكون في حاجة إليه يوما ما”.

 

وثمة شخصيّة أخرى مهمة كانت سندًا ومرافقًا ورفيقا ودودا وخلاّ وفيا يحضر في مفاصل الرواية كحضوره في كيان السارد وفي حياته، هي شخصية أنثوية كانت سندًا ومعينا لا ينضب من الحنان والعطف، هي نجاة وكان حضورها في الصفحات التالية: 13، 25، 27، 31، 49، 53 ،56 ،60 ،63 ،68، 117، 118، 121، 134، 141 وظهر حضورها بكثافة في فصل كامل بعنوان “وإذا ذكرتك أبدع الألم وأخصب المكان”، فهي ملهمة إبداعه ووقود صبره.

أما الشخصيات الأخرى فعالم عجيب تختزل مجتمع السجن وقوانينه الاستثنائية، فللسجن نواميسه فقد فارقت جل الشخصيات أسماءها الحقيقية وعانقت صفات أخرى تليق بمَقامها ومُقامها الجديدين،
وصيغت لها صفات تلائم الوضع الذي هي فيه والأدوار التي أنيطت بعهدتها، صفات أخرى لم تخترها ولكن للسجين دور في نحت كيانها، فكان شكل الشخص وحجمه وطريقة كلامه محددات أساسية لما يجب أن يكون عليه من الأسماء والصفات، فطلعت علينا أسماء غريبة كثيفة الايحاء عميقة الدلالة من خلال رمزية الاسم والصفة كبوكاسا، ويبدو أنه صار بطلا قوميا مشهورًا في التنكيل بالسجناء وتعذيبهم شاع اسمه في أدب السجون في تونس: كعبورة، الفار، الباش، ترتفشة، الدب، زرقة، الكوك، كلب الشوك، السردوك، البغل، الضبع.

 

وهذه التسميات غلبت عليها أسماء الحيوان لما فارقت بيئاتها الطبيعية،
وهي أسماء أقرب إلى الهزل والمسخ والسخرية والتهكم، كأن الكاتب يتشفى ليشبع رغبات نفسية ويعوض عن ذلك الضعف وانعدام الحيلة أمام سجانيه الذين أحلوا لأنفسهم كل أنواع البذاءة والفعل غير الجميل، فكانت اللغة ملاذ المظلومين لرد الفعل والانتقام.

 

وهكذا صار للسجن معجمه اللغوي الخاص، كما له قوانينه الخاصة، يقول الكاتب في ص 71: “عالم السجن قوانين تجمد فيُداس عليها وأخرى تبعث وتصاغ من أجل القهر والتشفّي” ، فاكتسبت الكلمات دلالات جديدة. فعبارة “سنضيفه” ظاهرها منتهى الإكرام وحقيقتها في معجم السجون الإهانة ومنتهى الإذلال والتعذيب وتجريد السجين من كل شيء بدءا بلباسه حتى أفكاره، وكذلك كلمة “سنحتفل بك” الواردة في ص 75 : “سنحتفل بك عندما تصل إلى بيتك الجديد”، تبشر السجين بالفرح وتتوعده في آن بالويل والثبور والعذاب الشديد، وتقول له: “ذق إنك أنت العزيز الكريم”.

كذلك كلمة “الأمانة” تفقد قيمتها لتدل على نقيضها فيصير تعذيب الإنسان وتجريده من إنسانيته أمانة أقسم عليها الجلادون والسجانون في دفاتر الشيطان وآكلي لحوم البشر. وقد اعتمد الكاتب على السرد الخيالي فوظف بعض الحكايات والأساطير توظيفا رمزيا “وكذلك للإمتاع في عالم يحتاج رواده إلى التسلية:

خرافة بلعكرّك: ص 32 حيث تم توظيف رمزية الخرافة لإثراء عالم الرواية وتكثيف المعنى، حيث تداخلت أنماط من الكتابة وأجناس من الأدب أو ما يسمى بالتناص فأضفت بعدا أدبيّا روائيا على النص المكتوب.

قصة الطفل شهبات:

توظيف أسطورة سيزيف والصخرة وترمز إلى التحدي وقوة الإرادة في مواجهة الصعاب والمحن وما أكثرها داخل السجن.

توظيف الرؤيا مستلهما ذلك من قصة سيدنا يوسف عليه السلام ص 40 ،41 حيث تتم مطاردة السجين حتى في رؤياه، فيحاصرون يقظته وحلمه ويقتلون أحلامه.

أما دقة التصوير والواقعية في نقل المشاهد فتبرز في وصف مشاهد المطاردة بأسلوب مشوق رغم المأساة، حيث ينقل السارد مشهد مطاردة أيوب ص. 24 ويتكرر المشهد نفسه ص. 73.

نقل مقاطع حوارية حيث يترك الرّاوي للشخصيات حريّة التعبير عن أفكارها لتنكشف حقيقتها أمام القارئ، مثل مشهد الحوار بين الشرطي وصابر حيث تتجلى فلسفة التعذيب الممنهج والمخطط له مسبقا ليؤدي غايته في زيادة التنكيل بالضحية.

أما الوصف فكان بديعا توزع في الرواية وشمل الأمكنة والأشخاص والحيوان والأشياء وتجاوز وظيفته التقليدية في الكشف عن الملامح والخصائص ليعبر عن وظائف جمالية أدبية إبداعية، كوصف صخرة سيزيف ووصف الزنزانة ووصف الأشخاص وإخراجهم مخرجا فنيا هزليا تارة ومأساويا تارة أخرى، أو وصف مشاهد الطبيعة.

 

العناوين، دالة تختزل الفصول:

الفصل الأول بعنوان “الاستثناء” وظيفته تقديم الشخصية والتعريف بها وبيان سر التسمية.

الفصل الثاني: يبدأ الحلم ظمأ شامخًا وينتهي قزما قميئا قابعا بين أحلام الناس وأحلامه المقبورة بين أقبية السجون ويربط حاضره بماضيه في السجن.
اكسر صخرة سيزيف يا أيوب فإنها هاوية هاوية (ص 30).

وحضرت كذلك في نصه أسطورة سيزيف برمزيتها المعروفة تلهم الإنسان كيف يتحدى الصعاب ويتغلب على المستحيل، وكذلك شخصيات الرّواية صنعت من الألم أملا، ومن المأساة أدبا، ومن الظلمة حاكت خيوطا من النور ليبصر بها الناس طريق الحق:

يقول الكاتب في ص. (ص 37 ): “احتجبي أيتها الظلمات العاتمة فليس في قلوبنا إلا النور”.

توظيف ثنائية الظلمة والنور، وهي ترمز إلى الصراع الأبدي بين أهل الحق وأهل الباطل، وهو عنوان جمع بين الإنشاء والخبر وبين المتكلم الآمر والمخاطب المأمور، وبين استعلاء القوي الحق ووهن الضعيف الباطل، فنفى وأكد ونادى ونبه فإذا جاء النّور اختفت الظلمات قسرا ففرق بين من يبصر بعينيه وبين من يبصر بقلبه ويرى ببصيرته . فالظلمات ماثلة في السجانين الذين يحاصرون أيوب في يقظته وفي أحلامه، إنهم يخافون الأحلام والرؤى فيحاصرون كل شيء، ولكن النور الذي نبت في قلوب السجناء يمنع الظلمة من أن تستقر في قلوبهم ووجدانهم فيقول في ص. 47: “نحن أكلنا طعامهم السام المطبوخ بجرذانهم المقرفة،  ولم نمت وما فرطنا في كرامتنا، والله إنكم لا ترون ما الرجال قادرون عليه”.  إنه صراع من أجل الحرية ودفاع عن إنسانية الإنسان.

ويصرح الكاتب بذلك في خطاب مباشر ص. 47: “قال لهم لا شيء يجعلني أتراجع عن دعوتي إلى الحرية وحقي في الاختلاف مع النظام إنكم تحلمون”:

 

وإذا ذكرتك أبدع الألم وأخصب المكان:

شخصية نجاة ملهمة للكاتب، وذكرى جميلة في حياته تمده بمداد الحب والشوق، وهي الأمل الذي يبقي على حياته ويقويه في مواجهة المحن: “لن نهزم مادامت الذكرى تخترق هذه الجدران السوداء” ( ص. 64).  وهي علاقة عشق مثالية هي علاقة أنثى واعية بشاعر حالم كما قال ص. 66
ويتداخل السياسي بالعاطفي فتختلط المواقف وتتشابك فيدعو على اتفاقية السلام قائلا:”لا بارك الله في اتفاقية السّلام” ص69.


أعلى درجات الإيمان أن تعد بدنك الموجوع للمقاومة

يسرد الكاتب نضال السّجناء من خلال الإضرابات التي قاموا بها لتحقيق مطالبهم وتحسين ظروف السجن، وكانت المقاومة في اتجاهين أو هي ضد طرفين: جاهل يأتمر بأمر سيده كالآلة وهو أهون على السجناء من سجان حاقد ينتقم لمعارك سابقة أويستبق معارك آتية في المستقبل، تحركه الإيديولوجيا المقيتة فيحقق انتصاراته الوهمية على سجين لا حول له ولا قوة، حيث يمارسون ضد السجناء التعذيب النفسي فيسبون ويشتمون الوالدين والله والدين والقرآن، ويستهزئون بالمقدسات بل ويطلقون عبارات بذيئة جدّا تخدش الحياء، وتطيح بكرامة الإنسان.

ومن بين النضالات تلك التي خاضها أيوب المتمرّن على رياضة الزمقتال فيخصص لها الراوي حيزا، فيطنب أحيانا في سرد بطولات أيوب ويفصل أحداث المواجهة بين أيوب وبين الدبّ، ويفصل لنا  أساليب التعذيب المهينة لكرامة البشر وأدنى حقوقه فيتحول النص مرة أخرى شاهدًا على عصر وفترة من سياسة النظام الظالمة.

 

يصرالرجال على الممانعة والتعالي ويأبى الأقزام إلا السقوط

عصفور السطح يعرض للمساجين لأنّهم يدركون أنّه لا أخلاقي، وهو فن ساقط يثير الشهوة ويشيع الانحلال والتهتك، إنها حرب نفسية ضد السجناء يستثير فيهم غرائزهم المكبوتة قسرًا بسبب البعد القسري عن الزوجة، وهم يحاولون كسر إرادة السجناء وخدش الحياء الراسخ في نفوسهم بفعل التربية الاجتماعية والعقيدة الراسخة في قلوبهم.

مشهد تعذيب “زرقة” مثال على الظلم والقسوة والضيم الذي يعانيه السجناء
يقول في ص. 105: “هكذا يصبح الانتماء إلى هذه الأمة وقيمها وحضارتها ودينها ولغتها وهمومها والاحتجاج السلمي …جناية”.

جنازة عصفور

رمزية العصفور في آخر الرواية الضعف والبراءة والجمال والأنس، يعتدي الحارس على عش العصفورين ويهدم أركان بيتهما ويلقي بهما في القاع بلا رحمة ولا شفقة، كأنما قدت قلوبهم من صخر. فالجريمة كما يراها المؤلف “هي العدوان الفاجر على أشياء الكون، وإذا كان الإنسان فاقدا للإحساس بما حوله فاعلم أن جريمته ستكون أعظم”. وقد عقد الكاتب في هذا الفصل علاقة بين الإنسان الطبيعي وبين العصفور من أمة الطيور في جدلية فلسفية تكشف الوجه القبيح للإنسان الثقافي، وقد عبر علي الضبع السجين عن هذه المفارقة بوعظه وتوبيخه في آن قائلا:  ” الآن ترقون يا قساة القلوب وما إن تغادروا السجن حتى تعيثوا في الأرض والناس فسادًا” (ص 131). وجنازة العصفورين تلتها جنازة نجاة بعد أن جاهدت المرض فخصص لموتها صفحة واحدة في الرّواية واختزل أحداثها، فكأنما صفحة واحدة كافية لتلخص هذه الحياة القصيرة. تلك هي رواية أيوب التونسي للشاعر والكاتب عبد المجيد بني عمر كما ارتسمت في ذهني وقد أثارت في نفسي ما أثارت.

 

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

فكرتين عن“قــراءة في رواية “أيــوب التّونسي” لعبد المجيد بني عمـر”

  1. كا ن يمكن للأستاذ بن عمر وهو يرمي بروايته في خضم ساحة متلاطمة ، يشتد أوارها أن يضع لروايته المتألقة عنوانا ينسلك في أدب المعارضة فيجعل له “حدث أيوب …..فقال ” وهي تقف على النقيض من وجودية مفعمة بمنوال غربي للتفكير الفلسفي والوجودي فيبدله بمنوال مستحدث فيه يكون البطل حاملا لهموم ونزوعات إنسانية هي من صميم هموم الإنسان ،بديلا عن الهموم التي تبناها صاحب رواية حدث أبوهريرة التي مالأت الظلم وكرسته وسوقت له .عذرا هذه على الحساب قبل قراءة الكتاب .

  2. الأستاذ منير بولاهمي

    لقد كانت دراسة الأستاذ الأمين الكحلاوي لرواية المستثنى …أيوب التونسي للكاتب عبد المجيد بني عمر التي تتنزل ضمن أدب السجون دراسة شاملة إذ تناولت مختلف مقومات الرواية من جنس أدبي فسجلت تناص العديد من الأجناس الأدبية من يوميات ومذكرات وسيرة ذاتية ومن شعرية وشاعرية ومن مكان وزمان وأحداث وشخصيات وأنماط خطاب ولقد أثارت طريقة الكاتب في كتابتها جدلا كبيرا جعل القارئ يحتار في نسبتها إلى جنس أدبي بعينه رغم أن الكاتب صرح بكونها رواية ولقد كان لخاتمة الرواية طعم خاص إذ ترك الكاتب النهاية مفتوحة على كل الاحتمالات رغم النهاية المأسوية لشخصية نجاة ليبقى النضال مستمرا وتظل المقاومة عنوانا لشخصية أيوب التونسي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet