صورة العثمانيّين في الكتب المدرسيّة بالجزائـــر

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

بقلم: مفيدة بن يوسف

 

لقد شكل الوجود العثماني في الجزائر منعرجا هاما في تاريخ الجزائر الحديث وكانت له تأثيرات على كل بلدان المغرب العربي. وقد ساهمت الاضطرابات السّياسية التي عرفتها المنطقة في سقوط الدولة الموحّدية سنة 1269م وظهور أربع دويلات متناحرة فيما بينها، حيث أقام بنو زيان دولتهم بالمغرب الأوسط (الجزائر)، وبنو حفص بالمغرب الأدنى (تونس)، وبنو مرين بالمغرب الأقصى، وكذا بنو الأحمر بغرناطة. لكن بعد سقوط هذه الأخيرة سنة 1492 م تجسدت الأطماع الصليبية بالاعتداء على سواحل بلاد المغرب، فاحتلت إسبانيا المدن الساحلية الجزائرية تباعا، ولم تسلم تونس والمغرب من هذا الاحتلال الأيبيري الذي اتخذ من الجزائر قاعدة للسّيطرة على الحوض الغربي للمتوسط وشمال أفريقيا في إطار حروب الاسترداد، أو ما يسمى “بالريكونكستا” بهدف مطاردة مسلمي الأندلس الفارين إلى بلاد المغرب.

 

وفي هذه الفترة العصيبة التي عاشتها الجزائر تحت لهيب الغزو الإسباني لسواحلها ظهر الأخوان عروج وخير الدين بربروس التّركيين، وذاع صيتهما في المنطقة، فقد عرفا ببسالتهما في مطاردة السفن الأوروبية المعادية للمسلمين، ومساعدة مهاجري الأندلس، فما كان من الجزائريين إلا الاستنجاد بهما في هذا الوقت الحرج الذي عانوا فيه الأمرّين، بين مطرقة الاعتداءات الإسبانية وسندان التّوسعات الحفصية من الشّرق والمرينية من الغرب.

 

وفعلاً استجاب الأخوان بربروس لنداء أهالي الجزائر ابتداء من عام 1512م، وانطلقا في عملية التّحرير من جيجل سنة 1514م وصولاً إلى مدينة الجزائر سنة 1516م. وبعد استشهاد عروج سنة 1517 م طلب أهل الجزائر من خير الدّين البقاء خوفًا من عودة الإسبان. وراسل أعيان الجزائر السّلطان العثماني سليم الأول حيث وافق على طلبهم وأصبحت الجزائر إيالةً عثمانيّة ابتداء من سنة 1518م وعُيّن خير الدين أول بايلرباي عليها.

 

اختلف المؤرخون كثيرًا في نظرتهم للوجود العثماني بالجزائر، وقد لاقى عدة تأويلات، فلم يجد بعضهم تبريرًا لبقاء العثمانيّين في الجزائر مدّة ثلاث قرون (1518-1830م) مادام هدفهم آنذاك إنقاذ البلاد والعباد من الاحتلال الإسباني. واُعتبر وجودهم احتلالاً غير مُباشر. في حين دافع آخرون عن هذا الوجود واعتبروه تلبيةً لنداء النجدة وحماية للجزائر والمنطقة ككلّ فرضته الظروف الدولية آنذاك.

 

من خلال هذه الدراسة المتواضعة سنسلّط الضّوء على هذا الموضوع من خلال منظور المنظومة التّربوية الجزائرية، حيث أولت الجزائر منذ استقلالها سنة 1962م، واسترجاع سيادتها من الاستعمار الفرنسي اهتمامًا بالغًا بقطاع التّعليم. وبما أن التّاريخ هو ذاكرة الإنسانيّة ومرآة الشّعوب فقد سعت وزارة التربية والتّعليم الجزائريّة إلى ترسيخ مقومات الهويّة الوطنية في عقول أبنائها وأرواحهم وتعريفهم بتاريخ بلادهم عبر العصور بواسطة المناهج التّعليمية حسب الأطوار الثلاثة (ابتدائي، متوسط، ثانوي). ولعلّ الدّارس أو المتصفح للكتب المدرسيّة في جميع الأطوار التّعليمية وفق التّعليمين النّظامي أو الحرّ ما بين عامي 1962-2019م- وعلى الرغم من الإصلاحات المختلفة- سيلمس العناية الكبيرة بتاريخ الجزائر الحديث والتّركيز الواضح على أهمّية  الجزائر العثمانيّة.

 

وقد اعتمدنا في دراستنا على عيّنة من الكتب المدرسية في الجزائر في الطّورين المتوسط والثّانوي في مناهج التّاريخ بهدف توضيح الرؤية للقراء وتبرير الوجود العثماني إن كان بغرض الحماية وتقديم النّجدة أم احتلالا.

وبعد الاطلاع على عدة نماذج من المقرّرات المدرسيّة الوطنية بشكل مسهب نلاحظ أنّها في مجملها أقرت بإيجابيات الوجود العثماني بالجزائر ومحاسنه وأشادت بفضله وإنجازاته دون إنكار بعض السّلبيات التي شهدها الحكم العثمانيّ خلال هاته الفترة. وأهم الملاحظات الإيجابية التي سجّلناها:

1-    الإقرار بجهود الإخوة بربروس في تحرير سواحل الجزائر المحتلة من قبل الإسبان.

2-    الاعتراف بفضل العثمانيّين في دعم الجزائر وبناء دولتها الحديثة (إيالة عثمانية) سنة 1518 م بقيادة خير الدين بربروس وإرساء دعائمها بعد أن كانت عبارة عن قبائل متناحرة في دويلة ضعيفة مثلها بني زيان.

3-    دور السّلطة العثمانية في بناء القوة العسكرية الجزائريّة برّية كانت أم بحريّة والتي أثمرت أسطولاً قادرًا على إرساء الأمن الدّاخلي، ومواجهة الأخطار الخارجيّة، وفرض المكانة السّياسية والاقتصادية في البحر الأبيض المتوسّط.

4-    إقامة نظام إداريّ مُحكم بتقسيم البلاد إلى بايلكات (دار السّلطان، بايلك الشّرق، بايلك الغرب، بايلك التيطري) بهدف التّحكم في الأقاليم (لامركزيّة الحُكم).

5-    إنشاء جهاز حكم متعدّد الدّواوين اعتمد في قيادته على مبدأ تداول السلطة (البايلربايات، الباشوات، الآغاوات، الدّايات) يخضع للسّلطة العثمانية، ولم يحدث الانفصال إلا  في  عهد الدّايات.

6-    الاعتمادُ على نظام ماليّ دقيق لتنويع مداخيل الولاية من المصادر الثّابتة للخزينة كالإتاوات والأوقاف. ومصادر غير ثابتة كعوائد الفدية والهدايا بالإضافة إلى صكّ عملات معدنيّة بمختلف القيم.

7-    الإشادة بالنّظام القضائي المضبوط في الجزائر الذي استمد أحكامه من الشّريعة الإسلامية وفق مذهبين؛ المالكي للجزائريّين والحنفيّ للأتراك. بالإضافة إلى تخصيص محاكم لأهل الذّمة، كلّ هذا لتجسيد العدالة وفرض النّظام.

8-    تنوع تركيبة المجتمع الجزائري (جزائريون، أتراك، كراغلة، أندلسيون، أجانب)، وبالتّالي تنوع العادات والتّقاليد والحرف، وكذا تطوّر النّمو الدّيمغرافي وتوسّع العمران، ونموّ المدن وتشكّل نمط اجتماعيّ جديد مقسم إلى سكان الحضر وسكان البدو.

9-    إبراز دور العثمانيّين في إنعاش الاقتصاد الجزائريّ حيث ازدهرت التّجارة والزّراعة، والصّناعة، وربط الجزائر علاقات تجارية مع عدة دول.

10-                      إظهار جهود الأتراك في إثراء الحياة الثقافيّة من خلال بناء المؤسسات الدّينية والتّعليمية (مساجد، مدارس، زوايا، كتاتيب) وتطوير الفنّ المعماري والاهتمام بمجال الموسيقى والغناء.

11-                      الاستقلال الكلّي للجزائر عن السّلطة العثمانية بداية من حكم الدّايات سنة 1671م، فأصبحت التّبعية اسميّة مع تحرير آخر المناطق المحتلة من قبل الإسبان وهي وهران سنة 1792 م.

 

من خلال النقاط المسجّلة يمكننا القول إنّ الجزائر حسب منظومتها التربويّة أقرت من خلال الكتب التّاريخية عبر المناهج التّعليمية المختلفة أن وجود العثمانيين في الجزائر كان نعمةً على البلاد والعباد، على عكس بلدان المشرق العربي التي اعتبرته احتلالاً، غير أنّ المقررات الدّراسية لم تغفل عن ذكر بعض سلبيات الحكم العثماني في الجزائر والتي يمكن حصرها في النّقاط التّالية:

1-    انفراد الأتراك  والكراغلة بالحُكم وحرمان أهل البلد من حكم بلادهم.

2-    التّمييز العنصري بين الأتراك والجزائريّين في الوظائف العليا، ناهيك عن الفساد الإداري.

3-    إثقال كاهل السّكان المحليين بالضرائب دون مراعاة أحوالهم الاجتماعيّة والاقتصادية .

4-    منح السّلطة امتيازات لقبائل المخزن المتعاونة دون سواهم من السّكان.

5-    تمرّدات الجيش الانكشاري وحالة الانقلاب وعدم الانضباط أدت إلى ضعف القوة العسكرية والدّفاعية الجزائرية.

6-    الصّراع على السّلطة (النّفوذ والمال) بين ضبّاط الانكشارية وضباط البحرية وإهمال مصلحة الرّعية التي عانت من الطّاعون والزّلازل والجراد …

7-    المؤامرات والدّسائس بين الوزراء واليهود، والتي جرت الجزائر نحو أنياب الاستعمار الفرنسيّ.

8-    إهمال العثمانيّين الجانب العلمي والثّقافي في الجزائر، وتشجيعهم للطرق الصّوفية والزّوايا، وهذا ما أدخل العباد في دائرة مغلقة عن الأحداث الحاصلة في العالم.

9-    وجود بعض الثّغرات في التقسيم الإداري للجزائر كوجود العاصمة على السّاحل عرضة للأخطار الخارجيّة وإهمال الجنوب.

 

نستنتج في الأخير أن الوجود العثماني في الجزائر حمل في طيّاته إيجابيات وسلبيّات مثله مثل أيّ نظام في أية دولة، وأن الدّخول العثماني لم يكن بنية الاحتلال وإنّما تلبية لنداء الاستغاثة (الاستنجاد) وحماية من الخطر الأجنبي الصّليبي، وهذا ما تعترف به وتشيد به الدّولة الجزائرية على لسان وزارة التّربية والتّعليم من خلال مطبوعاتها المدرسيّة المخصّصة لطلاّب المتوسط والثانوي، وما يوضحه واقع العلاقات الطيّبة بين البلدين والشّعبين،  فما يجمعهما من قواسم مشتركة (الدّين الإسلامي، العادات، التّاريخ، النسل) لن تفسده جملة تأويلية للمؤرّخين عن طبيعة وجودهم بين الجزائريّين وقيادتهم للبلاد في يوم من الأيّام.

ولا يمكن أن أختم مقالي هذا دون الإشارة إلى ردّ الرّئيس التّركي رجب طيب رجب أردوغان أثناء زيارته للجزائر على سؤال صحفيّ جزائري حول الاحتلال التركي للجزائر عندما أجابه: لو كانت تركيا دولة اِحتلالٍ لكان سُؤالك لي باللّغة التّركية وليس بالفرنسيّة.

 

المصـــادر والمـــراجع

  1. عبد القادر زبادية، الصادق الغولي، صالح السماوي، ” تاريخ المغرب العربي الحديث”، السنة الرابعة متوسط، المعهد التربوي الوطني، الجزائر، 1983/1982.
  2. عبد القادر زبادية، الصادق الغولي، صالح السماوي، ” التاريخ الحديث 1453 – 1815″،السنة الثالثة، متوسط، المعهد التربوي الوطني، الجزائر، 1985/1984.
  3. سعيدة داودي، يوسف مناصرية، ” كتاب التاريخ”، السنة أولى من التعليم الثانوي، الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية، وزارة التربية الوطنية، 2006/2005، ص 32–39.
  4. يوسف الطيب، قديدح ميلود، ميخالدي عبد الحكيم، ميرود فطيمة، ” التاريخ والجغرافيا”، السنة أولى من التعليم الثانوي، الديوان الوطني للتعليم والتكوين عن بعد، وزارة التربية الوطنية،2009.
  5. ” عبد القادر بوهنية، بن سالم طحرور، عبد القادر يغمور، عبد القادر بلعباس، دليلة مغني صنديد، محمد بلوادي، محمد هواري، “التاريخ والجغرافيا” الديوان الوطني للتعليم والتكوين عن بعد، السنة ثالثة متوسط، وزارة التربية الوطنية، 2012.
  6. فوضيل موبخة، إسماعيل بن الصغير، عبد السلام غزال، صالح مكاسي، فاطمة الزهراء طامي، ” التاريخ والجغرافيا”، السنة الرابعة من التعليم الإبتدائي، الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية، وزارة التربية الوطنية، 2019/2018.
  7. محمد البشير شنيتي، نور الدين لوشن، صالح منيغر، ” كتاب التاريخ”، الديوان الوطني للمطبوعات المدرسية، السنة الثالثة من التعليم المتوسط، وزارة التربية الوطنية.
يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet