الأميــر عبد القادر الجــزائري في صحيفة “الدّفــاع” الفلسطينيـة

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 1

مولـــده ونسبـه

هو عبد القادر ناصر الدين بن محي الدين الأمير الحسيني الشّريف. ولد في شهر أيار / مايو سنة ١٨٠٧ ميلادية في قرية القطينة من أعمال وهران في جزيرة الغرب، واشتهر منذ نعومة أظفاره بالذكاء والفطنة وبعد المدارك، فتلقى العلوم الكثيرة المفيدة في صغره. وما بلغ السابعة عشرة من عمره حتى اشتهر بفروسيّته على ظهور الجياد في ميادين الطراد. وما جاء عام ١٨٢٥ ميلادية حتى عزم أبوه على أداء فريضة الحج، فاصطحبه معه وسارا بحاشيتهما، فمرّا بالإسكندرية وزارا مصر، وفيها حينذاك المغفور له خديوي مصر الأول محمد علي باشا، فأكرم وفادتهما، ورحلا من هنالك إلى الحجاز عن طريق السويس، ثم إلى دمشق فبغداد فالوطن. واستغرقت هذه الرّحلة ثلاث سنوات. وانكبّ الأمير بعد رجوعه من رحلته هذه المدّة على دراسة العلم، وقد زاد شغفا به، فدرس رسائل حكماء اليونان، وتعمق في درس الفقه والحديث والجغرافية والفلك والتاريخ والكيمياء. وكانت لديه مكتبة من أثمن مكاتب الأيام إذ ذاك جمعها بجده واجتهاده.

 

حياة الأميــر السياسية

في عام ١٨٣٠ أشهر الفرنسيون سيطرتهم على بلاد الجزائر، فشق ذلك على العرب ونقضوا طاعتهم وحاربوهم ودحروهم إلى الشّطوط بعد أن كانوا قد بلغوا جبال أطلس. فسادت الفوضى الجزائر، وذهب الشعب إلى الأمير محي الدين والد الأمير عبد القادر وقصدوا مبايعته فأبى، ولما اضطروه إلى قبول البيعة حوّلها إلى ابنه عبد القادر ، وكان عمره إذ ذاك خمس وعشرون سنة. ومن ذلك الحين تبتدئ حياته السّياسية وحروبه الهائلة، فضم كلمة القبائل وسار بهم لمحاربة الفرنسيّين وإجلائهم عن البلاد.

انتصـــار الأميــــر 

جرت بين الأمير وجيوش الاستعمار مواقع عدّة استبسل فيها القوم استبسالاً نادرًا انتهى بانتصارهم وباضطرار العدو إلى أن يعقد معاهدة صلح، وكان ذلك سنة ١٨٣٤م. وهدأت الأحوال وتفرغ الأمير لداخلية بلاده، ففتح معامل للأسلحة والذّخيرة ونظم جنده تنظيمًا حسنًا.

 

فرنسا تنكـــث العــهد فتفشل

نظر المستعمرون إلى أعمال الأمير الإصلاحية، وإلى استعداده بعين الحقد والبغضاء، وعزّ عليهم الموقف وتناسوا الصلح، فسيروا خمسة آلاف جند ماش وعدد كبير من الفرسان والمدفعية، فأوقع بهم الأمير إيقاعًا شديدًا اضطرهم إلى الانسحاب والتّقهقر إلى الوراء، ولم يبق إلاّ على نفر منهم. ولمّا وصل خبر انتصاره إلى باريس اهتزت له فرنسا من أقصاها إلى أقصاها. وفي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر سنة ١٨٣٥م أرسلت له جيشا آخر لمنازلته، فكانت الحرب سجالاً بين الفريقين، فتداعوا إلى الصلح، ووصل في ذلك الحين الجنرال بوجيلد الفرنسي مبعوثًا من قبل الحكومة الفرنسية لمقابلة الأمير وقبوله بالشّروط التي تشترطها عليه، وهي أن يعترف بسيادة فرنسا وبتجديد مملكته إلى نهر الخليف، وبأن يؤدي الجزية.

 

النخـــوة

عظم الأمر على الأمير إلى أبعد حد ورآه تحد صريح من دولة الاستعمار، فهدّد فرنسا بالحرب، ورفض القبول بالشّروط وأظهر من الشهامة والنخوة ما يستحق الاعتزاز والافتخار. فأذعنت له وصالحته وقبلت بمطاليبه وعقدت معه بذلك معاهدة تاريخها ٢٠ آيار / مايو سنة ١٨٣٧ ميلادية. وعاد الأمير فاعتنى بداخلية بلاده، مطمئنّا إلى وعود القوم الممهرة بإمضاء وكلائهم ظنّا منه أنهم لن يتقلّبوا بعد كل ما مكان.

 

تقلب المستعمـــرين ونكثــهم بالعهود

لم يصب الأمير في حسن ظنه لآخر مرّة بفرنسا وعهودها التي لم تزد عن أنّها حبر على ورق. فلقد عادت تجهز جيوشها الجرارة وتفاجئ بها من وثق بها واطمأن إليها، ووجد الأمير نفسه أمام أمر واقع فسلم نفسه مضطرًّا في ٢١ كانون أول/ ديسمبر سنة ١٨٤٧م إلى الجنرال “لامور يسيير” الذي أخذه إلى فرنسا معززا مكرما وتعهدت الحكومة بجميع نفقاته.

 

الأميـــر في أســره

انقلبت الحكومة الفرنسية في هذه الآونة إلى جمهورية، فساءت معاملة الأمير واعتبروه أسيرًا، ونقل إلى سجن في أبيس، وظل هناك إلى عام ١٨٥٢م حين أَطلق سراحه الأمير نابليون الثالث.

 

عـــودة الأمير

عاد الأمير مع عائلته فجاء الآستانة، ولكن المقام لم يطب له فيها فرجع إلى فرنسا، ومنها إلى بروسة فبيروت التي وصلها في الرابع والعشرين من حزيران ١٨٥٦ ميلادية. ثم سار إلى دمشق، واتّخذ مسكنه فيها وانكبّ على التأليف والمطالعة، وكان مجلسه مجمع الفضلاء والعلماء.

 

الأميـــر يحمي المسيحية

نشبت في سنة 1860 ميلادية الثّورة المشهورة في دمشق، يوم ذبح المسيحيون وكان الأمير عبد القادر من أكبر المعارضين لإجرائها، ولما نفذت حيلته في منع وقوعها عمل على كفّ الأذى عن إخواننا المسيحيّين، فبعث برجاله ووزعهم في أحياء المدينة لينقذوا كلّ من يستطيعون إنقاذه ويأتوا به إلى داره، فغصت الدّار باللاجئين إليها حتى أنّه اضطر أن يستأجر البيوت المجاورة. وبلغ عدد المحتمين به أربعة آلاف، كان يدرّ عليهم الرّزق ويوزع عليهم كل ما يلزمهم من مأكل ومشرب.

ولما هجم الأكراد في ١٢ تموز/يوليو  1860م وهو اليوم الثالث لابتداء المذبحة على بيت الأمير دافع الرّجل الحامي الذّمار برجاله، واقتحم بنفسه الخطر، فعاد الأكراد خاسرين. وعمل والي دمشق إذ ذاك على قتل إخواننا بحيلة لم تخف على فطنة الأمير، فخيّب ظنّه ومنعه من إتمام حيلته، في الوقت الذي كان يسهر فيه على الألوف، يعزّي الثكالى والأرامل واليتامى ويطبّب الجرحى وينقذ المظلومين من خطر القتل.

ولما انتهت الثّورة كافأته أوروبا بوسامات عظيمة كثيرة تقديرًا لمروءته وشهامته.

 

بيــت الأميـــر

مما يذكر عن الأمير أنّه لم يترك ملابسه العربية قط، وكانت معيشته البيتية على غاية البساطة والترتيب، وما زال كذلك إلى أن توفاه الله في سنة ١٨٨٨م في بيته في دمشق، فكان الحزن عليه عامّا شاملاً من كلّ من سمع به أو عرفه.

 

المصــــدر: صحيفة “الدفـــاع” الفلسطينية، العدد  85

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 1

1 فكرة عن “الأميــر عبد القادر الجــزائري في صحيفة “الدّفــاع” الفلسطينيـة”

  1. جعفر الحسني الجزائري

    لا صحة اولاً أن الأميرعبد القادر جراء انقلاب فرنسا الى الجمهورية ساءت معاملته على العكس الملك فيليب وعهده الملكي الذي اساء معاملته وغدر به واسره سجيناً بعد حرب دامت بينهم 17 عام متواصلة الى حين ان جاء انقلاب نابليون الثالث على الملكية سنة 1848 واطاح بالملك فيليب لويس و لحين ان اعلان نابليون عن نفسه امبراطوراً في العام 1852 احسن معاملته وذهب بنفسه الى سجن الامير في قلعة امبواز لما علمه عن حسن معاملة الامير الاخلاقية التي حظي بها الاسرى الفرنسيون ابان الحرب الجزائرية الفرنسية وذلك يعود لسماحة الشريعة الاسلامية التي طبقها الامير باخلاص واخلى نابليون حينها سبيل الامير ومنحه راتب 6000 فرنك اجرة تنقله مع اهله ورعيته الذين كانوا برفقته الى دولة الخلافة العثمانية ولا صحة انه عاد من الاستانة الى فرنسا مطلقاً بل الى الشام مباشرةً جراء الزلزال الذي حل ببورصة عاصمة العثمانيين واستقر في الشام الى ان توفاه الله عام 1883 م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet