صـورة المـرأة ومسألة التشريع في فكر الشيخ محمد عبد العزيـز الثّعـالبي

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

بقلـم: د. البشيـر بوقارص

 

قد يبدو الخوض في “مسألة المرأة”، كما اصطلح عليها الثعالبي في باكورة تآليفه “روح التحرر في القرآن” منذ سنة 1905[1] ونحن في أواخر العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين، مبحثا قديما مستهلكا إلى حد الابتذال، خاصة في زمن انشغال العالم اليوم بقضايا تتجاوز كثيرًا مسائل الحجاب    والتعدد وتعليم المرأة وخروجها للعمل… إلى تعقيدات قضايا الفكر والمجتمع وما تشهده من تطورات متعاقبة سريعة، تحتمها إشكالية النهضة ومقتضيات ما بعد الحداثة في ظل النمو التقني والاقتصادي والعلمي الهائل الذي تعيشه الإنسانية اليوم، وما يستلزمه من فعل مضن ودؤوب لامتلاك أسباب الحياة الكريمة بالعلم والحرية والمسؤولية وبضمان حقوق الإنسان وواجباته المدنية.

 

يخطّئ هذا الواقع الجديد اليوم، حتما، تناول شاغل من شواغل المجتمع مثل “مسألة المرأة” بتلك التّجزئة التقليدية المألوفة للمسألة على أساس الجنس رجلاً وامرأة، ذكرًا وأنثى، ويحملنا على اعتباره مشكلا زائفًا من الأساس (un faux problème ) لأنه يوقع في منزلق اعتبار المرأة مقابلاً للرجل  ونقيضا له في مستوى الفروق البيولوجية والفيزيولوجية التي كثيرًا ما تبنّاها الخطاب التقليدي وتذرّع بها لإثبات الفروق العقلية والذهنية والعصبية الثابتة في أصل التكوين بين الذكر والأنثى، ورتب عليها فروقًا في مستوى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسّياسية. وقد اعتبرت تلك الفروق ضرورية  وحاسمة في مناقشة قضايا المرأة وبناء المجتمع وتركيبته كما تقرها المنظومة التقليدية. والأجدر تنزيل المسألة تنزيلاً حضاريّا وتاريخيّا واجتماعيّا لا يغيب تكامل قضايا التنمية ومفهوم حقوق الإنسان في ترابطهما بمختلف أبعادهما الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقانونية، خاصة في مجتمع عربي لا يزال في عمومه يحتفظ ببنى تقليدية تحتكم إلى نظام هرمي يقوم على مرتبية يعتبرها طبيعية (الرجل ثم المرأة) وهي مرتبية يرفض نقضها أو حتى مراجعتها بسبب ما ينجر عن ذلك من اهتزاز في التوازن الاجتماعي. ذلك مما يحتم اليوم ألا تناقش قضية المرأة إطلاقًا إلا بوصفها قضية اجتماعية، لأن تحرر المرأة وبلوغها درجة ممارستها لحقوقها الطبيعية والإنسانية لا ينفصل بحال عن تحرر المجتمع من خلال امتلاك أبنائه جميعا رجالا ونساء القدرة على ممارسة حقوقهم الطبيعية على كافة المستويات والأصعدة. وهو ما يجعل هذا التّحرر الإنساني مرتهنًا بسياق تحرر اجتماعي وفكري ينعم فيه الإنسان بكرامته في ظل مناخ من الحرية مشبع بقيم الحقّ والعدل ومبادئ مفهوم حقوق الإنسان. وهو ما يقتضي اليوم أن ينظر إلى مسألة التحرر على أنها حالة اجتماعية عامة مرتهنة بالقدرة على تحقيق شروط لا تكتمل إلا بكل أشكال النضال المختلفة الثقافية والفكرية والاجتماعية والسياسية.

 

غير أن فترة طويلة من الجمود والتراجع ألمت بالأمة فعطلت ملكاتها وأقصت مفكريها عن دائرة الفعل  والتأثير، وغيبت قضايا كثيرة مما جعل مسألة المرأة لا تحتل صدارة اهتمامات عديد المصلحين والمفكرين العرب المستنيرين إلا حديثا في أواخر القرن التّاسع عشر للميلاد وأوائل القرن العشرين  وعلى غير صلة لها بينة، في ذهن الرواد، بمختلف شواغل مجتمعاتهم وهمومها لا سيما السياسية (الاستعمار) والاقتصادية (التنمية وما اتصل بها من فقر وخصاصة وتبعية)، والاجتماعية (الجهل والأمية)، وعلى غير وعي خاصة، وهو الأهم في هذا السياق، أن حياتنا الاجتماعية هي ما يمنع المرأة من الظهور والنبوغ لأنه، كما يقول ابن رشد “إنما زالت كفاية النساء … لأنهن اتخذن للنّسل دون غيره وللقيام بأزواجهن وكذا للإنجاب والرضاعة والتربية، فكان ذلك مبطلاً لأفعالهنّ الأخرى”[2].

 

في ظل هذا الواقع بقيت أغلب المواقف والرؤى في مسألة المرأة امتدادًا لما جاء في كتب التراث، وخاصة منه التراث الفقهي والتّفسيري. ولئن أتاحت فرص الاحتكاك بالغرب الحديث عبر وسائط عديدة (الرّحلات والصحافة والاستعمار) الانتباه إلى صورة أخرى للمرأة، فإنّها لم تكن كافية لإقناع أولئك المفكرين المتشبّعين بالثقافة التقليدية بضرورة الاستجابة إلى الأصوات الدّاعية إلى إصلاح وضع المرأة المسلمة وإعادة النظر في تقدير منزلتها في التشريع والبنية المجتمعية. بل إن الجيل الأول من المصلحين قابل تلك الدّعوة إلى تحرير المرأة بالرّفض المطلق، وذهب بعضهم إلى حد اعتبار المناداة بتحرير المرأة العربية المسلمة خدعةً استعمارية ومكيدةً تستهدف تقويض أركان الأسرة المسلمة وزعزعة استقرارها وتهديد ناشئتها بالتّحلل من أسمى القيم الأخلاقية “وثورة على الدّين” كما جاء في جريدة “الزّمان” بتاريخ 19-10-1930 في إطار حملتها على كتاب الطاهر الحداد “امرأتنا في الشريعة والمجتمع”.

 

إلا أن كل ذلك العداء لمسألة تحرير المرأة لم يعدم تعالي أصوات ثلة من رواد عصر النهضة منادين بضرورة الرفع من مستوى المرأة وتهذيبها بالعلم والتربية وتنبيه المجتمع إلى تبعات سوء أحوالها. ولئن كان لابد من الإشارة، في هذا السياق، إلى أن كتابات كل من رفاعة رافع الطهطاوي (1801-1873) في كتابيه “مناهج الألباب المصرية في مناهج الآداب العصرية” الصادر سنة 1869، و”المرشد الأمين في تربية البنات والبنين” الصادر سنة 1873، ومحمد عبده (1849-1905) في بعض مقالاته بجريدة “الوقائع المصرية” في مواضع متفرقة من تفسيره (تفسير المنار)، وفي كتابه “الإسلام بين العلم والمدنية”، وقاسم أمين (1863-1908) في كتابيه الشهيرين “تحرير المرأة” سنة 1899 و”المرأة الجديدة” سنة 1901، تعد من المواقف المتقدمة تاريخيّا في مسألة المرأة، وخاصة تربيتها وإصلاح شأن الأسرة، فإنه لابد من التأكيد على أن الفكر التونسي الحديث كان أسبق من نظيره المصري إلى الخوض في عديد المسائل والقضايا كالتعليم، وإلى إنجاز بعض الإصلاحات الدستورية (صدور عهد الأمان 1857 ودستور 1861). ولم تكن “مسألة المرأة” إلا واحدة من تلك الشواغل التي حظيت بنصيب من الاهتمام في مثل رسالة أحمد بن أبي الضياف في المرأة[3] و”رسالة محمد بلخوجة” سنة 1896 التي نشرها تحت عنوان “المرأة العربية والتّعليم” بالمجلة التّونسية (La revue Tunisienne) التي كان يصدرها معهد قرطاج، وما كتبه في الفترة نفسها محمد صالح السلامي في مقالته الشهيرة التي نشرتها المجلة سالفة الذكر بعنوان “المرأة المسلمة” ورسالة محمد السّنوسي “تفتيق الأكمام على حقوق المرأة في الإسلام” (Epanouissement de la Fleur ou Etude sur la femme dans l’islam) سنة 1897. ولم تكن هذه الكتابات جميعا في مسألة المرأة إلا مما يدل على أن الجدل حولها وجد بصفة مبكرة مرتعًا خصبًا في البيئة التّونسية وبين رموز الفكر الإصلاحي التّونسي من خلال تتالي النصوص الداعية إلى تجديد النظر في وضع المرأة وتطوير التشريع. ولئن كان الطاهر الحداد (1899-1935) أبرز من تزعم هذا التيار وأشهر الخائضين في المسألة، وقد خص المرأة بتأليف يعد الأول في تونس الحديثة “امرأتنا في الشريعة والمجتمع” (1928-1930)، ولئن مثل الحداد كذلك صفوة نخبة الثلث الأول من القرن الماضي (ق 20) وتاج ذلك الجيل بما أبداه من عمق في طرح مسألة تحرير المرأة، و بما أبداه من دقة في تصوير معاناتها في عصره، وبما كابده من مظالم بلغت حد الطعن في دينه ووطنيته وتجريده من شهائده ومحاصرته في متنفسه ولقمة عيشه، وبما قدمه من حلول في كتابه الذي مثل تتويجًا لتراكم معرفي ونضالي خلال مرحلة مهمة من تاريخ تونس الحديث، فإن شيخه وسلفه في اللجنة التنفيذية في الحزب الدستوري القديم ووصيه عليها وقدوته في النضال السياسي والاجتماعي، ووريث موقفه الصلب داخل الحزب الشّيخ محمد عبد العزيز الثعالبي كان شاهدًا قبل ذلك بما لا يقل عن ربع قرن على تحول عميق وخطير في الموقف من “مسألة تحرير المرأة”، وقد كان أسبق وأجرأ من طرقها منذ مطلع القرن الماضي في مؤلفه “روح التّحرر في القرآن” منذ سنة 1905.

فكيف كانت رؤية عبد العزيز الثعالبي في “مسألة المرأة” وعلام تأسست؟

 

لقد مثلت مواقف عبد العزيز الثعالبي من “مسالة تحرير المرأة” في بيئتها ولحظتها سبقا وإيذانا بانقلاب جذري كان  يتهدد البنية التقليدية للمجتمع التونسي منذ مطلع القرن الماضي (ق 20 م).   ولاستجلاء تفاصيل رؤية الثعالبي في “مسالة المرأة” لابد من الانطلاق من ملاحظتين أساسيتين:

أولاهما: إن الثعالبي كان أول المصلحين التونسيين الذين دعوا بكل وضوح وجرأة وبصريح اللفظ إلى “تحرير المرأة” المسلمة من كافة القيود المضروبة على حقوقها الفردية والمدنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية باسم الدين والتقاليد والأخلاق. وقد أكد منذ 1905 تاريخ تأليف كتابه “روح التحرر في القران” أن من أدواء المجتمع التونسي والأمة الإسلامية إنكارهما على المرأة حقوقا طبيعية ورسالة اجتماعية وإنسانية اقرها لها الإسلام منذ بداياته. وهو ما جرّأه على أن يعلن أراء ومواقف غير مسبوقة في بيئته وعصره في مباحث لم يجرؤ غيره في تونس على أن يثيرها مثل مسائل “السفور   والحجاب والميراث والمساواة مع الرجل والتعدد” في مجتمع لا تزال قبضة المعترضين عليها حديدية وقد لاذوا بمنظومة دينية وأخلاقية تقليدية صارمة سلبت الأنثى أهليتها وحملتها انتقاصا من الحظ زائدا على ما نالها من حبسها في البيت لتكون مجرد مستبضع للشهوة”مستعدة في كل أحوالها  للتمتع بها”   (كذا (!!  على حد عبارة ابن أبي الضياف[4] ووعاء للنسل وأداة للخدمة. إلا انه لا احد من الباحثين التونسيين استوقفه هذا التفرد والسبق في رؤية المسالة. وكثيرا ما نسب ذلك واعترف به لتلميذه الطاهر الحداد في كتابه الشهير سنة 1930 أي بعد ربع قرن من “روح التحرر في القران” وقد يعود ذلك إلى أن الأخير أفرد المسالة بكتاب.

 

أما الملاحظة الثانية التي يتوجب تبينها فهي أن رؤية الثعالبي في “مسالة تحرير المرأة” تتنزل ضمن رؤية تكاملية في معالجة مختلف القضايا الفكرية والاجتماعية والسياسية والدينية التي أثارها في كتابه “روح التحرر” كالتسامح في الإسلام، والعلاقات بين المسلمين والنصارى والطرق الصوفية والأولياء والجهاد وفهم القران ومسالة التأويل … وهي رؤية تستند إلى مبدأين أساسيين:

تأكيد الروح التحررية لجوهر الرسالة الإسلامية

إثبات مبدإ قابلية تطور الأحكام والتدرج التشريعي في الإسلام

و قد أجرى الثعالبي هذين المبدأين في “مسالة المرأة” من خلال قيمتين أساسيتين تتركز فيهما حقوق المرأة ومطالبها:

المرأة عنصر تنمية

المرأة مساوية للرجل

المرأة عنصر تنمية:

 

لقد طالب الثعالبي أن تحتل المرأة منزلة الكائن الاجتماعي النشيط الفاعل في التركيبة الاجتماعية  والدورة الإنتاجية لأنه أدرك أن تحرير المرأة ورفع القيود عنها وخروجها إلى الحياة العامة     ومشاركتها في الدورة الاقتصادية في ظل ظرف استعماري عصيب مسالة حيوية ومصيرية تحتم تجنيد كل الطاقات لتحرير مجتمع يفتك به الفقر والتخلف ويرهقه التعصب لتقاليد لم تعد قادرة على أن تواكب مقتضيات التبدل والتغير. لذلك دافع الثعالبي عن الأهلية الاجتماعية للمرأة التي لا يمكن أن تتحقق إلا بمشاركتها الايجابية والتخلص من العقلية التي تحرم المجتمع استثمار جهود نصفه القابع في البيوت وتحكم على المرأة بالبقاء رئة معطلة تضاعف ماساته وتعمق أسباب تخلفه وتؤجل فرص نهضته بدل أن تكون قوة حية فعالة قادرة على “أن تنتج بقدر ما تستهلك وتخفف عن الرجل ما يثقل كاهله من النفقات وتوفر للأمة مزيدا من الثروة العامة”[5] . ولتأكيد موقفه جادل الثعالبي الفقهاء المحافظين في مسالة الحجاب (بمعنى الاحتجاب عن الأنظار وستر الوجه) وقد تأولوا خطأ الخطاب القرآني الموجه إلى نساء النبي في قوله تعالى في سورة الأحزاب (53) “يا أيها الذين امنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم… وإذا اسالتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب” أو قوله في نفس السورة   (32-33) “و يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى…”. وحجة الثعالبي في الاعتراض على هذا الفهم أن الشرع لو قصد كل النساء لتغير الخطاب. يقول “على أن تلك الآيات… موجهة لنساء النبي دون غيرهن، وإلا لنزلت على الصيغة التالية: قل للمسلمات أو المؤمنات…”[6] . واحتج الثعالبي لتأكيد هذا الفهم بظروف نزول تلك الآيات دليلا على أنها “لا يمكن أن تنطبق إلا على نساء النبي صلى الله عليه وسلم دون غيرهن”[7]. وهو ما يؤكده إقرار الله بخصوصية نساء النبي لأنهن أمهات المسلمين في مثل قوله تعالى ” ويا نساء النبي لستن كأحد من النساء” ولذلك خصهن بضعف العذاب “يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين”…[8]

 

و تأكيدا للتخصيص في ذلك الواجب الشرعي أي الحجاب (بمعنى الاحتجاب) تبين الآية اللاحقة من سورة الأحزاب بعض موجباته من المنزلة والنسب: “إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت  ويطهركم تطهيرا”[9] . بناء على هذا الفهم والتأويل يخطّئ الثعالبي الرأي القائل بوجوب الاحتجاب على عموم نساء المسلمين فيقول: “إن التأويل المخالف لذلك والذي يعمم تطبيقها (آيات سورة الأحزاب) على جميع نساء المسلمين يعتبر لغوا أو بدعة بأتم معنى الكلمة[10].

 

احتج الثعالبي كذلك لإبطال دعوى وجوب الاحتجاب بشاهد تاريخي وموقف من سيرة النبي عليه السلام لما دخل على زوجته عائشة وأختها أسماء ورآهما وجها لوجه ولم يعترض على رؤية أخت الزوجة دون احتجاب “و الحال أن أخت الزوجة بمقتضى أحكام الشريعة الإسلامية تعتبر أجنبية بحيث يجوز لها التزوج من زوج أختها بعد وفاة زوجته الأولى”[11] . ومما يؤكد هذا الموقف النبوي ما روته عائشة “إن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها ثياب رقاق فاعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح لها أن يرى منها إلا هذا وأشار إلى وجهه وكفيه”.

 

وقد اعترض الثعالبي كذلك على أن يكون الحجاب والاحتجاب (و المقصود بهما الاحتجاب عن الأنظار والامتناع عن الاختلاط بالمجتمع والتعامل معه بما تحتمه مقتضيات الحياة اليومية) حائلا دون المشاركة الفاعلة والايجابية طالما انه يجبر المرأة على البقاء محبوسة في بيتها ويحد من حريتها، فهو يقول: “انه من واجب المرأة أن تترك وجهها مكشوفا وانه لا شيء يجبرها على البقاء محبوسة في بيتها ومحجوبة عن الأنظار وانه يجوز لها مثل المرأة الأوربية الدخول والخروج وقضاء شؤونها دون أي خطر على المجتمع الإسلامي”[12]. وقد اجتهد الثعالبي في تجميع الحجج التي تلجم خصوم التحرر. من ذلك ما عمد إليه من حجج اجتماعية واقعية لإبطال حكم التحريم (تحريم كشف الوجه)   ودعوى ضرورة الاحتجاب عن “مجتمع الرجال”. لقد أبان الثعالبي من خلال تحليله لظواهر اجتماعية دالة عن إدراكه أن المنظومة الفقهية التي كان يتذرع بها “الفقهاء والعلماء والمفسرون الذين عالجوا هذه المسالة”[13] لا تنطبق إلا على المجتمع الإسلامي المنظم في نطاق حواضر كبرى ومدن تسكنها أغلبية مطلقة من المسلمين . وذلك حين لاحظ أن حياة المسلمين في البوادي والأرياف لم تكن محل اهتمام الفقهاء وقد تركوا ليحتكموا إلى الأعراف والعادات التي لم تكن تضيق على النساء البدويات  ولا تضطرهن إلى “الانزواء في بيوتهن والاحتجاب عن الأنظار” على غرار الحضريات كما يقول الثعالبي: “مما يؤيد نظريتنا أن جميع النساء بالبادية اللائي يطلق عليهن اسم البدويات يخرجن سافرات  ولم يفرض الحجاب على النساء إلا في المدن الكبرى”[14] . وقد انتبه الطاهر الحداد إلى نفس الظاهرة فتأولها على نفس المذهب حين اعتبر هو الأخر الحجاب مما تختص به الحواضر دون البوادي: “الحجاب عادة في المدن وبعض القرى. أما باديتنا على العموم فهي سافرة على الفطرة”[15]. وهو موقف لم يشذ عنه الشيخ محمد عبده وقد اعتبر “الحجاب عادة عرضت عليهم (المسلمين) من مخالطة بعض الأمم فاستحسنوها واخذوا بها وبالغوا فيها”[16]. وهو ما يجعل الاحتجاب مجرد عادة دعت إليها مجريات الحياة اليومية وما يعرض أثناءها. إلا أن بعض الفقهاء والمفسرين وخاصة أثناء فترات ركود الاجتهاد وتجديد الفقه التبست عندهم العادة بالتشريع، فألبسوها لباس الدين كسائر العادات الضارة مثل الاعتقاد في الأولياء وانتشار الطرق والسحر والشعوذة التي تمكنت من الناس حتى ظن أن الأخذ بها عمل بالأحكام والتزام بالشريعة.

 

لم يكن الاحتجاب فقط بدعة ألصقت بالدين بل هو كذلك آفة اجتماعية خطيرة سرت في المجتمع فكانت له أسوء الآثار وأوخم العواقب استنادا إلى “وثائق المحاكم الأهلية” وما تحويه من الأحكام الصادرة دون جدوى. ومن ابرز تلك الآثار أن “هذا التحريم الذي انجر عنه حبس المرأة وزجها في الخدر قد مكن الزوج دون مراقبة زوجته ولا تعرضه للوم… قد مكنه من التهتك وارتكاب الفواحش وتبديد أموال العائلة وأملاك أطفاله”[17]. وهو ما اضطر المرأة إلى أن تضع ثقتها في احد الوكلاء للتصرف في أملاكها التي قد تؤول إليها. وغالبا ما يكون ذلك الوكيل غير أمين همه الوحيد الاستحواذ على الأملاك الموكلة إلى عهدته كما يقول الثعالبي. ولا يغيب عن الشيخ محمد عبده التنبيه إلى نفس المخاطر الناشئة عن الاحتجاب فيقول: “كثيرا ما أظهرت الوقائع القضائية سهولة استعمال الغش والتزوير في مثل هذه الأحوال. فكم رأينا أن امرأة تزوجت بغير علمها وأجرت أملاكها دون شعورها بل تجردت من كل ما تملكه على جهل منها. وذلك كله ناشئ من تحجبها وقيام الرجال دونها يحولون بينها وبين من يعاملها”[18]. وقد عاين الطاهر الحداد نفس النتائج وقدر خطورتها فاتخذ نفس الموقف من حجب المرأة: “إن الحجاب قد أوجد للرجال حياة خاصة خارج المنزل لا تعرفها النساء”[19] .

 

في ظل تلك الثقافة التقليدية حكم على المرأة بالقصور بسبب هيمنة فكرة “المرتبية الطبيعية” التي تؤمن أن انحطاط حقوق المرأة عن حقوق الرجل نتيجة طبيعية ومنطقية لانحطاط واجباتها عن واجباته وتكليفها عن تكليفه. وقد تذرع الفقهاء والمفسرون لذلك بأنه مما اقتضته الحكمة الإلهية في تدبير الكون. وهو ما استبطنه الرجل والمرأة خاصة وقد نشّئت على الشعور بالعجز والنقص اللذين يقطعان صلتها بالعالم الخارجي ويفقدانها بالتالي القدرة على “أن تحسن التصرف” وهي التي “لم تعرف قط أي شئ من الحياة أو أي شئ عن العالم الخارجي ولا أن تدرك قيمة أو أهمية شئ ما” كما يقول.

 

لقد دعت هذه العزلة القاتلة المفروضة على المرأة المصلحين المستنيرين أمثال الثعالبي ومحمد عبده والحداد إلى أن يصيحوا بصوت واحد: “كيف يمكن … لامرأة أن تتمتع بما شاء الله أن تتمتع به مما هيأها له بالحياة ولواحقها من المشاعر والقوى وما عرضه عليها لتعمل فيه من الكون المشترك بينها وبين الرجال إذا حظر عليها أن تقع تحت أعين الرجال إلا من كان من محارمها؟…لا ريب أن هذا مما لم يسمح به الشرع ولن يسمح به العقل”[20] .

 

ضمن هذا التصور الاجتماعي نزّل الثعالبي “مسالة المرأة” وأكد إيمانه الراسخ أن لا فوز لأمة يبقى نصفها عاطلا عاجزا، وأن لا مخرج إلا بحسن تقدير أهمية مركزها العمراني والاجتماعي. وليس أدل على أهمية عامل التنمية في دفاع الثعالبي عن المرأة من تأكيده لهذا الاعتبار الاقتصادي في المسالة واعتقاده أن “ما تكتسيه مسالة تحرير المرأة من أهمية بالنسبة إلى الحضارة الإسلامية”[21] يدعونا إلى الاقتناع بجدوى مشاركة المرأة مشاركة شاملة في الحياة العامة مهما تكن تبعات خروجها إلى المجتمع لان حجم الخسارة التي قد تلحق المجتمع الإسلامي حين يقبل هذه النتائج أهون بكثير من عواقب الموت البطيء والفناء السحيق الذي يتهدد الأمة في دوام حال البؤس والتخلف وبقائها على ما اعتادت    وسلمت به. وقد ناضل الثعالبي طويلا لأجل ترسيخ تلك القناعة وكان له فضل كبير في أن تستبطن الأجيال اللاحقة من الكتّاب والمفكرين أنصار تحرير المرأة هذا التصور الجديد المستنير للمسالة في صلتها الأكيدة بقضايا التنمية والنهضة في بعدهما المادي والاقتصادي. وهو ما دافع عنه الثعالبي “لان المرأة محتاجة إلى نفسها في إدارة وتنمية ثرواتها بأوجه التصرف. وهذا ما يجعلها في علائق مع الناس تحوجها للتعرف بهم كما تحوجهم للتعرف بها”، على حد عبارة الطاهر الحداد. إلا أن المرأة، في تصور الثعالبي، محتاج لها كذلك في إثبات حقوقها المدنية والجزائية أمام المحاكم بما يجعلها في حاجة إلى المساواة بالرجل لا فقط في حرية الخروج والعمل والتنقل ومختلف دواعي الظهور لمزاولة الأشياء بيدها والكشف عن وجهها كما يقول الزمخشري (الكشاف، ج3 : 61) لما يقتضيه اعتبارها عنصر تنمية وشريكا في الثروة العامة بل كذلك في ما اتصل بسائر بقية حقوقها في مسائل شتى كالزواج وما اتصل به من تعدد وطلاق والميراث والتعليم. وهو مدار القيمة المحورية الثانية في رؤية الثعالبي في مسالة المرأة.

 

المرأة مساوية للرجل في الحقوق والواجبات:

تأسست رؤية الثعالبي في مسالة حقوق المرأة على الاعتقاد الجازم أن البنية المجتمعية التقليدية القائمة على قيم موروثة أبرزها التسليم بان دونية المرأة مسالة طبيعية هي الحائلة دون اضطلاع المرأة بأولى واجباتها وأوكدها وهو الاستعداد والتأهل لكسب ضروريات الحياة بنفسها ، وهي تمثل بذلك السبب الحقيقي الذي كان وراء ضياع سائر بقية حقوق المرأة الطبيعية والمدنية وليس الإسلام. وهو ما يستوجب أن يقوم الإصلاح الاجتماعي على تأهيل المرأة لمجابهة الحياة بنفسها لتكتسب القدرة على إثبات إنسانيتها وأهليتها الاجتماعية وتتمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها الرجل وتقوم بنفس الواجبات التي يقوم بها هو دون وصاية كما هو الشأن بالنسبة إلى الرجل.

 

و لئن كان خوض الثعالبي في ما كتب في بعض حقوق المرأة محتشما في مثل مسالة الزواج خلافا لما فعل أشهر معاصريه أمثال الطاهر الحداد ومحمد عبده وقاسم أمين وقد خصها جميعهم بحيز غير حسير مما كتبوا، فانه خاض في مباحث لصيقة بالزواج شديدة الصلة به على رأسها مسالة تعدد الزوجات. وكان انصرافه مقابل ذلك إلى تفصيل القول في مسائل شديدة الصلة هي الأخرى بمسالة الحقوق أبرزها التعليم والميراث. وقد آثرنا الاقتصار، في هذا المقام، على محاولة استجلاء رؤية الثعالبي في مسالة الإرث وحظوظ المرأة منه، والعمل على تبيّن الأسس التشريعية التي توسّل بها   واعتمد عليها ليؤسّس موقفه من المسالة.

 الميراث:

من اللافت للانتباه أن الثعالبي خص هذا الجانب من حقوق المرأة بتفصيل القول فيه ضمن الفصل الرابع والأخير: “دين الإسلام وحكمة التشريع” من دروسه في جامعة آل البيت ببغداد[22] إضافة إلى ما جاء في حديثه عن الوصية بالإرث وحكم الإسلام فيها[23] .

لقد رفض الثعالبي في تقدير حظوظ المرأة في الميراث الاطمئنان إلى فهم السلف من الفقهاء للنصوص التشريعية ذات الصلة ورأى أن ذلك الفهم يحمل في دلالاته بصمات زمنه ويحيل بسياقه إلى واقع الحياة الذي تنزلت فيه تلك النصوص التشريعية لأنه يعتقد أن القراءة الحرفية لنص الإرث: “يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين”[24] أو غيره تغلق باب الاجتهاد وتحول دون الاستنباط وإعادة الاكتشاف بحسب تطور الوعي الإنساني وتبطل القاعدة الأصولية القائلة إن كل حكم يدور مع علته وجودا وعدما. وهو موقف من مسالة المرأة عموما ومن حظها في الميراث تحديدا يتأسس على ضرورة أن نؤمن أن تغيّر الظروف والملابسات والأحوال و”طرائق الحياة وأطوارها” على حد عبارة الطاهر الحداد يحوجنا إلى قراءة جديدة لا تعتبر بغير المقصد الجوهري للشريعة ولا تعتد بغير مقتضى الحال تأصيلا لمبدإ تشريعي: تحدث للناس أقضية بحسب ما أحدثوه من الفجور. وهو ما يدعونا، في منظور الثعالبي، إلى ضرورة “إدراك هذه الأسرار في بناء الشرائع الإلهية [ وهو ما ] يحتاج إلى نظر بعيد في فلسفة الدين واطلاع واسع على مقاصد الشارع الحكيم ومقارنة ذلك بحالة ونفسية المجتمع المراد إصلاحه وإسعاده وتنظيمه”[25] .

 

ولأننا لم ندرك تلك الحقيقة في استنباط الأحكام فكان ذلك بعض أمراضنا الكثيرة ” والسبب أننا ماشينا العصور [ و] ما قدرنا أن نوفق بين حياتنا في ماضينا وحاضرنا ولم نعمل حسابنا لتطور الزمن بل أبقينا معيشتنا على نسق واحد”[26] وبقينا أسرى الماضي “واقعين تحت تأثير سلطان الألفة وخاضعين لناموس الوراثة ولا نشعر بحركة التغيير المحسوس الحاصلة في النظامات وطرق المعاش وغفلنا عن وضع تلك المقومات في بوتقة التمحيص بحيث صرنا لا نستطيع تمييز جيدها من عاطلها وصحيحها من سقيمها. فجزمنا أن كل ما ورثناه عن الآباء لا يجوز أن يلحقه أي تغيير أو تبديل”[27]. ولم ينكر الثعالبي فضل الفقهاء المتقدمين وقد اعترف لهم أنهم “قد خدموا الفقه والمسلمين خدمة لم يتركوا معها فضلا استزيد”[28] . إلا انه لا يشك أن بعض أقوالهم واجتهاداتهم لم تعد مجدية لأحوالنا المتجددة لأنها وضعت لعصر غير عصرنا ولأحوال غير أحوالنا وقد قضوا بها في شواغلهم. ولا مسؤولية اليوم في نظره إلا على “العلماء لوقوفهم بالفقه الإسلامي على راس الطريق لأنهم قد أوقفوا بذلك حركة الأمة عن السير إلى الأمام”[29]  وتساءل في استنكار: “ماذا تجدي تلك الأقوال المهجورة في بطون الكتب والرسائل والقضاء في الأحكام الجنائية والجناحية والجزائية… لان الحدود والتعازير المقررة لها لم تعد صالحة في أنظار الأمم العصرية[30]. بهذا الفهم ينم الثعالبي عن وعي علمي تاريخي بالدين وبدلالة نصوصه وقد جعل مسالة الاجتهاد وتجديد التأويل وتقدير خطورتهما في حياة الأمة نهوضا وسقوطا شرطا لضرورة أن نواكب تجدد العصور وتبدل الأحوال في ما نستنبط من أحكام ونستحدث من تشريعات حتى نستوعب ما يطرأ من قضايا ويجد من مسائل.

 

بهذا المنظور تناول الثعالبي مسالة حظوظ المرأة من الميراث . فآخذ علماء المسلمين وفقهاءهم لأنهم لم يراعوا أغراض الإسلام في التدرج التشريعي ولم ينتبهوا إلى أن أحكام الإسلام في المرأة أو ما سواها من المسائل الحياتية ليست أحكاما نهائية مغلقة بل هي أحكام متجددة تصف وضعا مستجدا مختلفا من مجتمع إلى آخر ومن فترة إلى أخرى وتنبئ عن مجتمع نزلت فيه وعن فترة تشريعية مخصوصة. ومعلوم أن مجتمع ما قبل الإسلام (العربي الجاهلي) الذي استهدفته التشريعات الإسلامية الأولى في الإرث كانت أحوال المرأة فيه اقرب إلى وضع العبودية يوم كان الميراث كله من حق الذكور القادرين على القتال وشعارهم : “لا نورّث من لا يركب فرسا ولا يحمل كلا ولا ينكأ عدوا”[31]. وكانت الأنثى تورث كما يورث المتاع “و كن موروثات لا وارثات”[32] كما يقول ابن عاشور، وتوأد بغير ذنب خلا مظنة المعرة أو خشية الاملاق.

 

في ظل ذلك الواقع، تجرأ الإسلام فجرّم وأد البنات وحرمه، ومنع أن تورث النساء كرها أو أن يعضلن “ولا تعضلوهن”[33]، وشرّع حق المرأة في ميراث أبيها وزوجها وذهب إلى حد توريثها كلالة[34]، بل بلغ الأمر درجة إقرار مبدإ المساواة في الإرث. وليس النص على حق النساء في “نصيب” مما ترك الوالدان والأقربون نظير “نصيب” للرجال إلا لجعله “مفروضا” (بصريح النص القرآني) على تلك الصورة عدلا كما جاء في سورة النساء “للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا”[35].و قد ذهب القران إلى حد الحض على إشراك أولي القربى واليتامى والمساكين ممن لا نصيب لهم في الميراث بالتصدق عليهم إذا حضروا القسمة ولم يكن ذلك إلا مبالغة (في معناها الايجابي) من الإسلام في ضرب القاعدة الجاهلية في الإرث والإقرار ببطلانها. إضافة إلى ما في هذا السلوك من دعوة إلى التراحم والتكافل الاجتماعيين.

 

و من المهم أن نلاحظ أن نظام التوريث القديم ارتبط في فترة ما قبل الإسلام، وخاصة من جهة التمييز بين الذكر والأنثى، بمسالة تحصيل المال وبالوضع الاجتماعي السائد وقتها إذ لم يكن المال يتأتى من غير العمل فيه عبر التجارة في المجتمع القريشي أو من الغزو وما يؤول إثره إلى المقاتلين من غنائم وفيء وسبايا. وهو ما جعل المنطق القبلي الغالب في نظام التوريث يعتمد مبدأين الذكورة  والقدرة تحقيقا لقاعدة “لا نورث من لا يركب فرسا ولا يحمل كلا ولا ينكا عدوا”. وليس فيها اعتراف، كما هو ظاهر وصريح، بغير الذكر متصرفا أوحد في المال لأنه مصدره الأوحد بسبب ما ميزه به النظام الاجتماعي/القبلي القائم من قوامة على المرأة ومن سواها في القبيلة. وهو ما عناه الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في قوله عن القوامة ” وقيام الرجال على النساء هو … قيام الاكتساب والإنتاج المالي”[36]، وقوله “و أضيفت الأموال إلى ضمير الرجال” (في الآية: بما انفقوا من أموالهم”) لان الاكتساب من شان الرجال . فقد كان في عصور البداوة بالصيد وبالغارة وبالغنائم والحرث   وذلك من عمل الرجال”[37] . ومما توجبه القوامة في مجتمع قبلي ذكوري سلطة مادية تكون بها للرجل حظوة ورأي لا توفرهما غير سلطة المال تحصيلا وميراثا ونفقة، وأخرى معنوية تنجر له عن الأولى (السلطة المادية) تطلق يديه في كل ضعيف قاصر يعود بالنظر إليه امرأة وطفلا وعبدا لأنه المحارب الحافظ لسلطة العشيرة وحامي شوكتها وراعي قيمها وما استحقاقه للثروة والسلطة إلا لكمال عقله وشدة باسه في الدفاع عنها (القبيلة).

 

لم يكن من السهل في ظل ذلك الواقع أن يقبل المسلمون الأوائل حديثو العهد بالدين الجديد     والراسخون في قيم مجتمع ما قبل الإسلام أي تغيير ينال من نظام توزيع الثروة السائد. وقد أدرك الشارع ذلك الواقع التاريخي فتعمد، في تلك المرحلة، ألا “يقع في مكة تغيير لأحكام الميراث بين المسلمين لتعذر تنفيذ ما يخالف أحكام سكانها”[38]. وليس أدل على ذلك مما أورده الطبري في تفسيره عن ردود الفعل لما نزلت آية المواريث في سورة النساء وقد “شق ذلك على الناس وقالوا: يرث الصغير الذي لا يعمل في المال ولا يقوم به، والمرأة التي هي كذلك، فيرثان كما يرث الرجل الذي يعمل. فرجوا أن يأتي في ذلك حدث من السماء فانتظروا. فلما رأوا انه لا يأتي حدث قالوا: لئن تم هذا انه لواجب ما منه بد”[39]. وقد بلغ الأمر بمن سواهم من المسلمين من صحابة الرسول وأوائل المصدقين به أن منوا النفس بان ينسى الرسول هذا التشريع الجديد في الميراث أو يغيره حتى لا يجدوا حرجا مما قضى فقالوا: “تعطى المرأة الربع والثمن، وتعطى الابنة النصف ويعطى الغلام الصغير  وليس من هؤلاء احد يقاتل القوم ولا تجوز الغنيمة. اسكتوا عن هذا الحديث لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينساه أو نقول له فيغيره”[40] .

 

لذلك اكتفى الإسلام ابتداء بان أقر حق المرأة في الميراث بقدر نصف ما يؤول إلى الرجل دون أن تكون لها مساهمة في تكوين الثروة. وهو ما يفسر عدم تمكينها من الميراث كاملا دون أن يكون ذلك ناشئا عن أنوثتها أو نقصان عقلها أو إقرار بدوام “نزول ميراث المرأة عن الرجل كأصل من أصوله التي لا يتخطاها”[41] كما يقول الطاهر الحداد على غرار ما اعتقد احمد بن أبي الضياف “إن قسمة المواريث لا مجال للعقل فيها منصوصة في القران اقتضتها الحكمة البالغة “[42] لان “الإسلام في جوهره لا يمانع في تقريرهذه المساواة في كامل وجوهها متى انتهت أسباب التفوق وتوفرت الوسائل الموجبة”[43] كما يقول الحداد.

 

و من منطلق هذا الوعي التاريخي بالدين وبدلالة نصوصه،اعتبر الثعالبي ذلك الحكم في الميراث “للذكر مثل حظ الأنثيين” مرحلة تشريعية في تاريخ التشريع الإسلامي. وهو ما جعل موقفه من المسالة يتأسس على ركيزتين: اعتبار حظ المرأة المسلمة في الميراث على الصورة المقررة في المدونة الفقهية السائدة انتقاصا لحقها لأنه “لا يمكن تحميل الأنثى انتقاصا من الحظ زائدا على ما كتبه الله من أن ميراثها هو نصف ميراث الرجل”[44] و اعتبار نظام التوارث في الإسلام “نظاما وقتيا”[45] ، من منطلق اعتبار حظ المرأة في الإرث (الثلث) ليس أصلا من أصول الشريعة بل هو مجرد مرحلة تشريعية اقتضتها مرحلة تاريخية في ظل ملابسات ووقائع وتركيبة مجتمعية مخصوصة. و يستدل الثعالبي على ذلك بمرحلتين شهدهما التاريخ الإسلامي منذ فترته التأسيسية الأولى هما:

مرحلة المدينة أو ما بعد الهجرة:

و هي المرحلة التشريعية التأسيسية في تاريخ إقرار نظام التشريع الإسلامي في الإرث اقتضت خلالها الحاجة الشديدة التي كان عليها المهاجرون وقد تركوا أموالهم بمكة ان “وضع النبي نظاما للتوارث بناه على الهجرة والمؤاخاة. فكان المهاجر يرث المهاجر، يرثه ولو كان بعيدا، ولا يرثـه القريب غير المهاجر”[46] . ويبرر الثعالبي هذا النظام المؤقت الذي وضعه الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين بقوله “كانت الحاجة داعية لإيجاد مثل ذلك النظام” . والحاجة كما تبدو مادية ودينية  وسياسية تختزلها “حاجة المهاجرين وهم قلة إلى التناصر والتكاتف”.

مرحلة ما بعد غزوة احد:

اقتضت هذه المرحلة تغيير نظام الإرث بنزول الآية “يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين” وهو تطور جاء “عملا بمصلحة أخرى أهم واكبر”[47] أفرزتها نتائج غزوة احد وما كان لها من أثر في تركيبة المجتمع الإسلامي الجديد. ولم يكن نزول الآية، في منظور الثعالبي، ألا بسبب تبدل الظروف والملابسات وما جد من الوقائع. وهو ما جعل الآية عنوان مرحلة تشريعية جديدة تنسخ سابقتها دون أن تخطئها. وليس أدل على ذلك من أن العمل باجتهاد الرسول في المرحلة الأولى من الفترة المدينية لم يكن مخالفا للشرع. وهو ما يثبت أن مقتضى الآية ذاته ليس أصلا في التشريع بقدر ما هو حاجة دعت إليها المستجدات ومقتضيات التوازن الاجتماعي درءا للحيف والتعادي بين المسلمين وضمانا لمزيد إحكام توزيع الثروة كي لا تكون دولة بين الذكور كما كانت في فترة ما قبل البعثة أو بين المهاجرين كما تقررت في مرحلة اجتهاد الرسول قبل نزول الآية. وفي ذلك يقول الثعالبي مبرزا الحاجة الداعية إلى المرحلة التشريعية الثانية التي أقرتها الآية: “أما السبب في نزولها (الآية) فحاجة الأمة إلى تغيير ذلك النظام. والحاجة إلى تغييره صريحة في رواية جابر وهي رواية متفق عليها. قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن ابنتي سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد شهيدا، وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا. ولا تنكحان إلا ولهما مال، فقال: ليقض الله في ذلك. فنزلت الآية”[48] فكانت “هذه أول تركة قسمت في الإسلام حسب النظام الثاني.”[49]

 

ومن خلال هذا الإلحاح على تطور نظام الإرث في التاريخ الإسلامي منذ الفترة التأسيسية تبنى الثعالبي مفهوما حركيا للتشريع الإسلامي يساير مقتضيات التبدل والتطور بما يحدث لكل حال نظاما  ولكل مرحلة تشريعا ممـا يجعل مفهوم التطور عنده قاعدة فكرية أساسية لنظريته في قراءة القران وتأويل أحكامه في مختلف المسائل. وهي قاعدة على درجة عالية من المرونة تسمح أن نقرر أن مقتضى آية الإرث ليس حكما جازما لأنه، كغيره من الأحكام، واقع في التاريخ يقبل أن يتناوله الزمن بالتغيير. ولترسيخ هذا الفهم التاريخي لدلالة النصوص الدينية الخاصة بقضية المرأة، توقف الثعالبي عند صيغة الخطاب الديني والدلالة التركيبية لآية الإرث: “يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين” فأكد أن “جعل الأنثى الوحدة القياسية في الإرث”[50] أمر عميق الدلالة في اتجاه تكريس مبدإ المساواة بدءا بالحض على إبطال عادة حرمان توريث الأنثى للرفع من منزلة المرأة وقد قدمها النص القرآني على أنها الأصل المقيس عليه لا فقط من جهة المنزلة الاجتماعية بل خاصة، وهو الأهم في هذا السياق، من الناحية التشريعية فيقول: ” قد اختار الله هذا التعبير للإشهار بإبطال ما كانت عليه الجاهلية من منع توريث النساء. فكأنه جعل نصيب الأنثى أصلا في الإرث مقررا معروفا وأخبر أن للذكر مثله مرتين وهو يدل على جعله أصلا في التشريع وجعل إرث الذكر محمولا عليه يعرف بالإضافة إليه. ولولا ذلك لقال: للأنثى نصف حظ الذكر”[51]. ولا يفوتنا أن نشير إلى أن هذه القراءة   وهذا التأويل يلتقي فيهما الثعالبي مع الشيخ محمد عبده[52]. وتتأكد أهمية هذا المغزى القرآني في بيئة كان فيها الذكر معيار كامل المنظومة القيمية وأصلها ومركز كامل البناء الاجتماعي/ القبلي. وكأن في ذلك إلحاحا على مبدإ المساواة ببعديها الديني والاجتماعي المبدوءة به السورة كاملة (سورة النساء) “للرجال نصيب … وللنساء نصيب … مما قل … أو أكثر نصيبا مفروضا” (الآية 7) بما يجعل “هذه الآية كالمقدمة جاءت بإجمال الحق والنصيب في الميراث وتلاه تفصيله لقصد تهيئة النفوس.    وحكمة هذا الإجمال حكمة ورود الأحكام المراد نسخها إلى أثقل لتسكن إليها النفوس بالتدريج”[53] كما يقول الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور.

 

و لأجل مزيد ترسيخ فكرة المساواة وروحها في الإرث والحض عليها، ساوت المرأة الرجل بصريح النص في أحوال كميراث الأبوين مع وجود الولد في مثل قوله تعالى “و لأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد”[54] وميراث الإخوة في الكلالة “…وان كان رجل يورث كلالة أو امرأة  وله أخ او أخت فلكل واحد منهما السدس، فان كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار…”[55]

 

و تعمد القران لأجل ذلك أيضا حين حدد نصيب الذكر، وهو الذي كان يحصل على كل شيء، أن يضع لاستئثاره سقفا يجب أن يقف دونه بألا يزيد على “حظ الأنثيين” من خلال تلك الموازنة الجديدة التي قلبت سلم القيم القبلية ورجحت كفة الأنثى فلم تحدد نصيبها إلا بما هي الأصل المقيس عليه،   والأصل غير الفرع. ولعله المقصود بما وردت الاشارة اليه في الآية الثالثة عشر من السورة “تلك حدود الله”… ولتأكيدها عاد الشارع في آخر آية من سورة النساء الى التذكير بها: “فللذكر مثل حظ الأنثيين” وقد جاءت مقترنة بالتحذير صراحة من الضلال “يبين الله لكم ان تضلوا”[56] .

 

هكذا لا تعدو أن تكون مسألة المواريث، شان كل التشريعات والقوانين، ذات صلة وثيقة بسياقها التاريخي وملابسات انتاجها. ألم يحمل ذلك الحس المرهف بروح التشريع ومقاصده المسلمين الاوائل على اعتبار غياب التحديد “معضلة عظيمة” على حد عبارة ابي بكر ابن العربي[57]. وهو ما كان أدعى الى الإقرار أن في غياب التحديد حكمة لان “الله سبحانه وتعالى لو كان مبينا حال البنتين بيانه لحال الواحدة[58] وما فوق البنتين لكان ذلك قاطعا ولكنه ساق الامر مساق الإشكال لتتبين درجة العالمين وترتفع منزلة المجتهدين”. [59]

 

و بمثل موقفه من نظام الارث في الاسلام وحظوظ المرأة فيه على الصورة التي بينا كان كذلك اجتهاد الثعالبي في محاولة الإابانة عن رؤيته في مسائل شتى كتعدد الزوجات وتعليم المرأة وغيرها مما يستوجب الا نطمئن اليوم بصفة مطلقة الى العمل بأقوال من تقدمنا والحكم بأحكام قضوا فيها بما يناسب حياتهم وحاجتهم وقد سعوا إلى معرفة أوجه انطباق النصوص على حاجات العصر وما تقتضيه مصلحة مجتمعهم الذي يعيشون فيه. وقد نجحوا بذلك في ادراك حاجة المسلمين الى تطور الحكم بتطور الحياة. وهو ما يحتم علينا اليوم أن نقر أن كلام الفقهاء وتأويلاتهم وتفاسيرهم لا يمكن ان تعد تشريعا ولا يمكن أن يحتج بها على أنها الدين مهما بلغوا من درجات العلم وارتقوا في مراتب الايمان لأنها لا تعدو ان تكون مجرد فهم للنصوص الشرعية غير معصوم من الخطأ بمقتضى ما يحكمه من ظروف وملابسات وأحوال وأفق ذهني. وهي عناصر تحتم مجتمعة أن تكون “القوانين والاحكام مبنية على أصول متحدة من حاجات الشعوب ومطالب الناس لانهم كلما احتاجوا الى شيء فكروا في نظام يكفل لهم الحصول عليه، والمصلحة مستمدة من هذا الشيء…”[60] على قاعدة ثبات الاصول العامة الكافلة لمصالح الناس وقابلية الجزئيات الكثيرة المندرجة تحتها للتغير والتبدل عند التطبيق باختلاف العصور. “فالعدل [مثلا] يتطور حسب فكرة الحكم في الامم والشعوب. ومن هنا نعلم ان العدل ليست له صورة خاصة بل صور لا تتناهى  وانما تتكيف بحسب الذهنية وقابلية الامم . فأي صورة من صوره تتلاءم مع حياة أي شعب تكون هي العدل الالهي الذي أمرنا بتحقيقه.”[61] وطالما لازمنا هذا القصور في الرؤية فإننا ننقض بذلك مقولة صلاحية الاسلام لكل زمان ومكان ونتمسك بها على غير وعي وعلى قدر من الجمود الذي يعد سبب الانحطاط الملم بالمسلمين حيثما ولينا وجوهنا.

 

لقد برهن الثعالبي على وعيه الشديد في سائر كتاباته لا سيما “روح التحرر في القران” منذ سنة 1905 ومن خلال رؤيته في مسألة المرأة والتشريع أن العصر يحتاج الى مقاربات تحديثية في شتى المسائل والشواغل التي تمليها مقتضيات الحياة الجديدة. وقد دلت الشواهد التاريخية على ان تقدير الثعالبي لمسالة المرأة واعتبارها قضية اجتماعية وتاريخية على الصورة التي بينا بعيدا عن ارتهانها لنص ديني منغلق او لمنزع تفسيري احادي قاصر استبد به وهم امتلاك الحقيقة، كان جازما في تأكيد ان العلاقة بين الفقه والواقع يجب ان تكون طوع حركة التاريخ بكل ما تستوجبه من تفاعل حي وايجابي يمكن من استيعاب ثراء المشهد اليومي الراهن والمتقلب بكل تعقيداته في ظل حياة اطول واشد تعقيدا من ان تستوعبها نصوص لا يزال البعض يصر على الا تتبدل ولا تتغير رغم تعاقب القرون في عالم التعددية والتطور الاخلاقي والاجتماعي السريع . وقد انتبه الثعالبي الى انه ليس ثمة آمن على ذلك ولا اقدر من منهج في الفهم والتأويل يحفظ روح الشريعة ويحقق المنفعة العامة بان يكون اكثر مرونة واشد قدرة على التجدد والاستمرار لاستيعاب ما يطرأ من نوازل ويجد من أقضية. ولا سبيل الى ذلك في تصور الثعالبي دون أن يكون “التأويل أقرب الى الحقيقة وأكثر اتصالا بالواقع وأشد اقترابا من النص”[62] في ميل واضح الى تقديم الواقع على النص بما يمنح الاخير قابلية أكبر للتطوير والتعديل في ضوء تجدد الوقائع  واختلاف مقتضيات المصلحة في غير ادعاء لامتلاك الحقيقة يحنط النص، وفي غير تضييق لما رحب من دلالاته حتى لا تنتقض “التاريخية” سمة لخطاب نزل في الاصل منجّما في الزمن  ومرتبطا بالحدث. وقد ارتسمت تلك السمة في تاريخ الفكر الاسلامي عبر تفصيل الاصوليين لمقاصد الخطاب وطرق التأويل وتصنيفهم الترتيببي لأصول الفقه ( القران والحديث والاجماع  والقياس) وغيرها مما عرفه تاريخ الاحكام في علاقتها بالعادات والاعراف[63]، أو ما اشتهرت تسميته بالحيل الفقهية التي أسعف بها العلماء مجتمعاتهم في مسائل بدت مستعصية كالإرث والنكاح وغيرهما  نتيجة قصور الاحكام عن استيعاب جميع النوازل المتكاثرة بحسب تعقد البنية المجتمعية، وعجزها عن التعايش مع الشواغل الحية في المجتمعات اللاحقة. و”ان ادراك هذه الاسرار في بناء الشرائع الالهية يحتاج إلى نظر بعيد في فلسفة الدين، وإطلاع واسع على مقاصد الشارع الحكيم، ومقارنة ذلك بحالة ونفسية المجتمع المراد إصلاحه واسعاده وتنظيمه”.[64]و عليه،  فلا سبيل،في تصور الثعالبي،”إذا اردنا أن نستعيد مجدنا الزاهر الغابر و إصلاح حالنا “إلا “أن نكون في مقام التشريع كسائر الامم الراقية ، فندرس حالة الامة الاجتماعية … و نجعل الأحكام مما يوافق الحال و الاستقبال و صلاحية التكيف تبعاً للتطورات الاجتماعية “.65

 

المراجــع والهوامش: 

[1] استعمل الثعالبي عبارة “مسالة تحرير المرأة” للإيحاء بتعدد جوانب البحث فيها بما يتجاوز وجهات النظر التقليدية. انظر روح التحرر في القران” دار الغرب الإسلامي ، ط 1، 1985: 23

[2] ابن رشد (محمد) ، الضروري في السياسة، مختصر كتاب السياسة لأفلاطون، نقله عن العبرية إلى العربية احمد شحلان، ضمن سلسلة التراث الفلسفي العربي: مؤلفات ابن رشد (4)، مركز دراسات الوحدة العربية، ط 2، 2 2002، الفقرة 144: 125

[3] انظر الرسالة كاملة وقد حققها وقدم لها المنصف الشنوفي في حوليات الجامعة التونسية، عدد 5 ، سنة 1968: 49 – 112

[4] ابن أبي الضياف (احمد)، الرسالة، حوليات الجامعة التونسية عدد 5،1968، الجواب16: 97

[5] من محاضرة الثعالبي في فلسطين بعنوان “مطالع نهضة الشرق”، جريدة الشورى”، 13 أوت 1930

[6] الثعالبي، روح التحرر في القران: 27

[7] ن.م: 28

[8] الأحزاب: 30

[9] الأحزاب: 33

[10] روح التحرر في القران: 28

[11] ن.م:23

[12] روح التحرر في القران:29

[13] ن.م: 24

[14] ن.م:30

[15] الحداد (الطاهر)، الأعمال الكاملة، ج 3 : 209

[16] عبده (محمد)، الأعمال الكاملة: 107

[17] روح التحرر في القران: 31

[18] عبده (محمد)، الأعمال الكاملة، ج 2 : 109

[19] الحداد (الطاهر)، الأعمال الكاملة، ج 3: 211

[20] عبده (محمد)، الأعمال الكاملة، ج 2 : 110

[21] الثعالبي ، روح التحرر: 23

[22] الثعالبي (عبد العزيز) ،محاضرات في تاريخ المذاهب والأديان، دار الغرب الاسلامي، بيروت، لبنان،ط1، 1985: 241

[23] ن.م: 237

[24] النساء: 11

[25] ن.م: 161

[26]الثعالبي (عبد العزيز) ، من محاضرته في نابلس بفلسطين “لسان الشعب” عدد 156، 3 سبتمبر 1924 : 2

[27] الثعالبي (عبد العزيز) ، سانحة، التونسي، عدد 34 ، 24 أكتوبر 1910

[28] الثعالبي (عبد العزيز) ،سانحة ، التونسي، عدد 34، 24 أكتوبر 1910

[29] ن.م.ص

[30] ن.م.ص

[31] ابن عاشور (محمد الطاهر)، التحرير والتنوير، ج 4: 249

[32] ن.م: 248

[33] النساء 19   والعضل هو منع ولي المرأة إياها أن تتزوج

[34] ميراث الكلالة هو ألا يكون للمتوفى ورثة أبناء ومات الأب والأم قبل موته فيرثه الأخوات والإخوة سواء بسواء

[35] النساء: 7

[36] ابن عاشور (محمد الطاهر) ن . م ، ج 5: 38

[37] ن.م:39

[38] ن.م، ج 4: 248

[39] الطبري، جامع البيان في تفسير القران، دار الكتب العلمية، بيروت 1992، ج 4: 298

[40] ن.م، ج 3: 617

[41]  الطاهر الحداد، امرأتنا في الشريعة والمجتمع، الأعمال الكاملة، ج 3: 43

[42] ابن أبي الضياف (احمد)، رسالة في المرأة، حوليات الجامعة التونسية، ج السؤال 13: 94

[43] الحداد (الطاهر)، الأعمال الكاملة: 45

[44] الثعالبي (عبد العزيز)، روح التحرر في القران:23

[45] الثعالبي (عبد العزيز)، محاضرات في تاريخ المذاهب والأديان: 242

[46] ن.م، انظر كذلك نفس الموقف في: ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج: 4: 248-249 ” لما هاجر رسول الله … صار التوريث بالهجرة”

[47] الثعالبي(عبد العزيز) ، محاضرات في تاريخ المذاهب والأديان: 242.

[48] ن.م.ص.

[49] ن.م:243.

[50] الثعالبي، محاضرات في تاريخ المذاهب والاديان: 243

[51] ن. م: 244

[52] الاعمال الكاملة، ج 5 = 180.

[53] ابن عاشور (محمد الطاهر)، التحرير والتنوير، ج 4: 249

[54] النساء: 11

[55] النساء:12

[56] النساء 176

[57] ابن العربي (ابو بكر)، احكام القرآن، 1968 ، ج 1 : 336

[58] في اشارة الى قوله تعالى : “… وان كانت واحدة فلها النصف” – النساء: 11

[59] ابن العربي، احكام القرآن: 336

[60] الثعالبي (عبد العزيز)، محاضرات في التفكير الاسلامي والفلسفة ،  دار الغرب الاسلامي، بيروت، لبنان،ط1، 1999:  39

[61] ن.م.ص

[62] الثعالبي (عبد العزيز)، روح التحرر في القران: 115

[63] قبل الاصوليون والفقهاء مفاهيم من قبيل الاستصلاح والاستحسان والعرف مصادر للتشريع في ظل انصهار ثقافات الشعوب المفتوحة في ثقافة الفاتحين.

[64] الثعالبي (عبد العزيز)، محاضرات في تاريخ المذاهب والاديان: 161

65 الثعالبي (عبد العزيز) ، محاضرات في التفكير الإسلامي و الفلسفة ،فصل: الأحكام و النظم التشريعية:36-37

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet