ألف شامخـة تحت هــمزتها

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0
بقلم: مهـاب لحبيري

كم نصوغُ من كلمات حبّ وعتاب داخلنا، نسهر الليالي في بلورة أدقّ تفاصيلها، نحاول بكلّ ما فينا من إبداع أن نعطيها رونقًا تنوء بحمله الآذان. ننقش الألف شامخةً تحت همزتها. نصنع من الباء و التّاء و الثاء قوارب تحملنا إلى الضّفة الأخرى من أنهارهم الهادرة شوقًا. الجيم و الحاء والخاءُ كحوامل الشّهر التّاسع تحمل داخلها أجنّة العشقِ، وقريبا ستصرخ فرحًا حال ولادتها.

 

عشقٌ سيتعب كثيرًا من المشي في غابات عينيها وبراكين وجنتيها، ثم سيرتمي على كراسي الذّال والدّال ليسترجع أنفاسه. سينهض بعدها نحو سفحي الرّاء و الزاي ليهمس لها بأنّ أكياس الطّاء والظاء و الصّاد والضّاد امتلأت وفاضت مرحًا مع كلّ ابتسامةٍ ترسمها على أسنان السّين والشّين.

 

حتى اللاّم والكاف والميم سيجتمعون ليهدوها ملكًا داخل قصور القلب المطلّة على ضفاف شراييننا. القاف و الفاء اتحدا ليقولا لي قف قليلاً أمامها، تنفس جيدًا فربما لا تجد هاء الهواء أمام جمالها، وربما ستنزع الواو من الورد الذي تستنشقه من كلامها لتصوغ الردّ المناسب. يا واو الورد الهاربة تصالحِي مع العين والياء حتى يعود وعيٌ ضاع مني كلّما ارتسم الحبّ في عينها. الغاء تبخّرت مع مياه اليم لتحمل أحاسيسنا نحو غيم انتظرنا في محطة الجفاء. ركبنا دون تذاكر وما هي سوى لحظات حتى وصلنا إلى مدينة العشق…

 

مازالت الأحرف ترقص ” الباليه” أمام أنظارٍ أرهقها النعاس. الديكة بدأت يومها و هو لم ينته بعد من صياغة البَوح الذي سيمليه على قلبها بعد سويعات قليلة. مرت تلك السّويعات كهمس النار في الحطب. طال الانتظار والصّياغة مكتوبة بخط جميل فوق لسانه. لبس أفخر ثيابه، مرّ على بائع الورد واختار لها أجمل باقة…

 

طال الانتظار كما سهر اللّيلة الفارطة و الركب المهيب لم يأت بعد. تململت الأحرف داخله تنتظر خروجًا سريعًا نحو أذنيها، ومن ثمة نحو وجنتيها اللتين سيصهرهما الخجلُ. لم يشأ أن يرتشف القهوة كعادته قبل مقدمها، سيطلبها من النّادل دون سكر حال وصول قطعة سكره الأصلية…

بعد ساعة. جاء النّادل بطلبٍ من صاحب المقهى في مهمة رفع باقة ورد مداسة. باقة مسكينة تناثر وردها نازفًا خيبة الهزيمة بين بتلاته. في حركة واحدة مرّت اسفنجة تقطر زمجرة لتمسح الصّياغة التي تركها على الطاولة. ألف ذليلة و قوارب الباء و التّاء والثّاء مهشّمة يهدهدها الموجُ على سواحل الوجع. الجيم والحاء والخاء ولدن أجنّة عشق جثثًا هامدةً. كراسي الذّال والدال وسفحا الزّاي والرّاء لم يعد لها أثر . أكياس الطّاء والظاء والصّاد والضّاد كانت مثقوبةً فانسكب المرح في الطّريق دون انتباه منه. كل الحروف أتلفتها زمجرة الاسفنج. لم ينج من المجزرة سوى القاف و الفاء حين وقفا أمامه ليقولا له: قف فإنّها لن تأتي.

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet