صــوت الحكــمة 

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

بقلم: نبيل الصالحي

 

عندما تتجاوز سنّ الأربعين، ستتعلّم أن في الصمت أحيانا حكمة، وحتى في السقوط من علوّ شاهق حكمة، وفي التأنّي سلامة وحكمة، وفي العجلة ندامة وقلّة خبرة، ستتعلم أن السقوط من علو شاهق لا يخيف بقدر ما يخيف السقوط في بحر اليأس والإحباط، ستتعلّم أن الإنسان من تراب، وهناك إنسان من تراب طاهر غنيّ تزرع فيه بذرور الحياة وتسقيها بماء الأمل وتنيرها بنور العلم وترعاها بالدعاء فتنمو وترتقي عاليا في السماء وتثمر ثمار الأحلام …

 

وإنسان من تراب يابس، يشبه رمال الصحراء، يشبه الرماد، بل تراب كالحجارة او أشد قسوة، تزرع البذور فتتدور وتدور وتغرق في بحر الرمال المتحرّكة، تنفخ فيه روح الأمل فتحس وكأنك تنفخ في الرماد، رماد يعمي البصر والبصيرة، رماد بلا لهيب، رماد بلا أمل …

 

عندما تتجاوز سن الأربعين ستعود ذلك الطفل الصغير وستعود إلى حكم الزمن الجميل وحكم الأب المعلم القدير والأم الحكيمة وستعود إلى حكم الأجداد وستبدأ في مراجعة ما درسته في الصغر …

 

سألت جدّي وأنا طفل صغير: يا جدّي لماذا أزرع وأزرع وأزرع وأرى ما أزرعه لا يُثمر ؟!!!
قال ولدي: لا تتعب نفسك يا ولدي، أنت إنسان ولست الحياة، قم بواجبك ولا تحاسب نفسك ولا تحملها أكثر مما تتحمّل، دع الحساب لربّ الحساب …
لا تتألم يا ولدي، وواصل دروس الحياة فمنها تعلمت وتتعلم وستتعلم وسوف تتعلم …
واصل طريقك وكن أنت فأنت جميل كما أنت …

قلت: ولكنني حفرت التراب ووضعت البذرة وسقيتها ولم تخرج لترى نور الحياة ! لماذا يا جدّي ؟!!!
قال: وهل قلت بسم الله وأنت تزرعها ؟ وهل دعوت لها رب السماوات والأرض ؟!!!
قلت: نسيت يا جدّي …

 

كررت العمل وبدأت بالبسملة وأكثرت من الدعاء ولكن لا حياة للبذرة …
قلت: لماذا يا جدّي ؟ ربما أنا المشكل !!! وأحسست بالألم واليأس والإحباط …
قال: يا ولدي لا تيأس، فلا يأس مع الحياة، ربما المشكل في البذرة، وربما المشكل في التراب وربما المشكل في أن بعض البذور تعشق حياة ما تحت التراب، ولا تعشق نور حياة ما فوق التراب …

 

يا ولدي هناك بذور تعيش تحت التراب جثة على قيد الحياة وهناك بذور تعشق ما فوق التراب وهناك بذور تعشق الرقيّ إلى السماء فتعلو وتسمو حتى تعانق السحاب وحتى عندما تموت تموت وهي واقفة شامخة …
يا ولدي واصل زراعة الأمل …
واصل زراعة البذور …

وإلى آخر النبضات ازرع الخير ولا تُبال فسيثمر يوما يا ولدي …
وحتى وإن لم يثمر في الحياة فسيثمر بعد الحياة …

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

1 فكرة عن “صــوت الحكــمة ”

اترك رداً على عبد الستار كمال إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet