البهائيــون في تونس: بين الولاء للوطـن والحج إلى إسرائيل

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

 

 

 

 

 

 

 

 

بقلــم: الدكتور محمد التومي

 

تقدّر آخر الإحصائيات أن عدد الذين اعتنقوا البهائية من التونسيين بعد الثورة بخمسة وعشرين ألفا وهو عدد مخيف إذا قورن بعدد المنتسبين إلى هذه الديانة في بقية الدول العربية، وهو ما يطرح السؤال؛ لماذا هذا التركيز على تونس من قبل دعاة البهائية؟ ما هي الاستراتيجيا التي توفرها تونس لهذه الديانة خاصة إذا ما علمنا أن الغالب الأعم على هؤلاء المنتسبين كونهم من صفوة المثقفين والجامعيين وصانعي القرار في ميادين مختلفة؟ كل ذلك يحدث أمام نظر السلطة التي غضت الطرف عن نشاطاتهم حتى وصل بهم الحال إلى طلب تأشيرة في تكوين حزب وبعث صحف تتكلم باسمهم، وقد أبدوا مللا بحالهم وضجّ بعض منتسبيهم في محافل دولية من كونهم أقلية غُمط حقها في الخروج على الناس وبيان مشروعهم السلمي.

 

كل ذلك يتعاضد مع منتسبي الشيعة الذين يوازونهم عددا في تونس وقد تمكنوا من بعث صحيفة باسمهم وحزب سياسي يؤمّن وجودهم الفعلي في البلاد ولعل المشترك بين البهائية والشيعة كونهما صنعتا في إيران الفارسية التي لا تزال على جرحها القديم النازف على إثر كسر إمبراطورية فارس من قبل جيش عمر بن الخطاب الذي يحتفلون بموته وذلك بأن نصبوا لقاتله نصبا في قلب عاصمتهم طهران. ولكن ما هي البهائية؟ إنّ الديانة البهائية هي إحدى الديانات العالمية، دعا لها شاب إيراني يدعى علي محمد الشيرازي، الذي لقب نفسه بالباب، عام 1844 وبشر بأن رسولا سيأتي قريبا من الله. وفي عام 1852، قال أحد أتباع الباب، والذي ولد باسم ميرزا حسين علي عام 1817 في إيران، إنه شاهد في السجن رؤيا أن الله بعثه رسولا كما بشر به الباب ولقب نفسه بهاء الله. وفي عام 1863 أسس لهذه الديانة. وتعرض بهاء الله للنفي عدة مرات، وكتب في تلك الفترة “الكتاب الأقدس” أهم الكتب لدى أتباع هذه الديانة وتوفي عام 1892. خلفه نجله عبد البهاء الذي عمل منذ وفاة والده على نشر التعاليم البهائية في أنحاء العالم وتوفي عام 1921.

 

وقد خلف عبد البهاء حفيده شوقي أفندي الذي واصل الدعوة والتبشير بهذه الديانة، وأقام وتوسع في أضرحة البهائيين الموجودة حاليا في فلسطين المحتلة. وأكّد بهاء الله أن ديانته تقبل كل الأديان الأخرى كالإسلام والمسيحية واليهودية والزرادشتية والبوذية والهندوسية، وأنّ كلاً من هذه الأديان يمثل مرحلة من مراحل التجلي الإلهي. ويؤمن البهائيون بأن الله واحد وأنه خالق هذا العالم وأنه يعرف بأسماء مختلفة في مختلف الأديان. كما يؤمن هؤلاء التبّع بالتجلي الإلهي للرسل في أزمنة مختلفة وبوحدة المنبع للديانات وبضرورة تعاون البشر من أجل الإنسانية. ويعتقدون أن نور الله قد تجلى في آدم وإبراهيم وموسى وكريشنا وزرادشت وبوذا والمسيح ومحمد والباب وبهاء الله. وفي البهائية ثلاث صلوات كبرى وصغرى ووسطى، وكل صلاة تغني عن الأخرى. ويحج البهائيون إلى المركز العالمي للبهائيين، والذي يقع في مدينتي عكا وحيفا شمالي فلسطين المحتلة، وتضم الأولى ضريح بهاء الله فيما تضم الثانية ضريح محمد رضا الشيرازي الملقب بالباب، وهو مناط السؤال المحيّر في مدى التصالح بينهم وبين الكيان الإسرائيلي وهم لا يرون غضاضة في احتلاله لفلسطين. ويبلغ عدد معتنقي الديانة البهائية حاليا نحو ستة ملايين يتوزعون في كافة أنحاء العالم.

 

وقد وجدت تونس اهتماما بالغا من أتباع هذه الديانة فحاول دعاتها الوصول إلى شعبها منذ فجر الاستقلال ولكن السلطات الجديدة لم تمنحهم ترخيصاً قانونياً للنشاط الدعوي وفي المقابل لم تغلق المركز البهائي العام في العاصمة، وغضت الطرف عن نشاط البهائيين من دون أن تعترف بهم رسمياً. وفي عام 1969 أصدرت السلطات قانوناً يتعلق بـ”الاجتماعات العامة والمواكب والاستعراضات والتظاهرات والتجمهر”. وعليه تم حل المحفل الروحاني الإقليمي لشمال غرب إفريقيا، الذي كان مقره تونس. لكن المحفل الروحاني التونسي أعاد تشكيل نفسه من خلال انتخابات عام 1972. وفي عام 1984 أغلقت السلطات المركز البهائي العام، واستجوبت البهائيين. سبقت ذلك حملة إعلامية تونسية على البهائية وصفتها بـ”الحركة الهدامة وصنيعة الصهيونية”. جاءت هذه الحملة في سياق السياسية التي انتهجها رئيس الوزراء التونسي وقتذاك محمد مزالي، وساهمت فيها صحف ومجلات تونسية. وتعاملت السلطات التونسية مع القائمين على شؤون البهائيين بشكل غير رسمي من خلال المحفل الروحاني المركزي الذي تقدم عقب ثورة الحرية والكرامة عام 2011 بطلب تأسيس جمعية مدنية هدفها خدمة البلاد، غير أن الطلب جوبه بالرفض بحجة أن الجمعية تحمل اسم الجمعية البهائية، وعليه تقدم المؤسّسون بدعوى قضائية للمحكمة الإدارية للطعن في قرار رئاسة الحكومة، والقضية ما زالت جارية، إذ أن الجمعية ليست هدفاً في حد ذاتها بالنسبة للبهائيين في تونس، لكنها مجرد آلية لتنظيم خدمة المجتمع، ومد جسور التواصل مع الجميع.

 

ويؤكد بعض أتباع هذه الطائفة أن منتسبيها لا يشكلون رجال دين بالمعنى المتعارف عليه بل يسود فيها نظام حوكمة ذاتية. في شكل مؤسسات منتخبة سنوياً، من قبل رجال ونساء ويمثلون البهائيين في البلاد جميعها حسب الانتشار. هذه المؤسسات هي المخولة بالاتصال مع مسؤولي الدولة التونسية ومؤسساتها، لكن الدولة ترفض الاعتراف دون تحديد الأسباب، بالرغم من وجود وزارة للشؤون الدينية هكذا بصيغة الجمع. وكان من المفترض أن تضع في مجال اهتمامها كل الأديان المعترف بها عالميا. ويطرح البهائيون على أنفسهم المشاركة في الحوارات المتعلقة بالشأن العام للاستفادة من التجارب الوطنية والتعلم منها وإبداء الرأي في بعض القضايا. فمثلاً هم يدّعون المشاركة في مداولات كتابة الدستور الجديد، وقدموا للجان المجلس الوطني التأسيسي رؤيتهم الخاصة، كما يؤكد بعض منتسبي هذه الطائفة أن علاقتهم بالسلط التونسية يشوبها الكثير من التناقضات إذ لا وجود لاعتراف رسمي ولا وجود لإقصاء تام رغم المحاولات المستميتة في الخروج إلى العلن كما تؤكد المادة السادسة في الدستور.

 

وتواجه هذه المجموعة من قبل ناشطين سياسيين اتهامات بالتجسس والهرطقة، وأنها خليفة الماسونية في البلاد الإسلامية وأن علاقتها بإسرائيل تماما كعلاقة هذا الكيان ببنائي الهيكل، ولكن في المقابل تقول الطائفة البهائية إنها مستهدفة بشكل لافت دون غيرها من الأقليات العرقية والإثنية والدينية وقد وصفها بعضهم بأن تغلغلها في المجتمعات المسلمة صار حقيقة وأن خدمتها لأجندات خارجية ثابت ولكن المربك أن السلط التونسية لم تحسم في أمر هذه الديانة “اللقيطة” حتى بعد الثورة وكأنها تنتظر بلوغها شأوا تستعصي معه على كل استئصال من مجتمع لطالما تغنى أهله بوحدته الدينية والمذهبية بل والإثنية كذلك.

 

المصدر: جريدة الرأي العام

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet