شعــب يقـرأ شعب لا يُستعـبد

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

بقلــم: هذباء الغويلي

 

عندما كانت المكتبات في التّاريخ الإسلامي من أعظم مكتبات العالم وأضخمها على الإطلاق كان المسلمون يسودون العالم شرقا وغربًا، فعلا شأنهم واشتدّ بأسهم وقادوا العالم من حدود الصّين إلى جنوب فرنسا، وعندما كانوا مهتمين بالكتب و التأليف و الترجمة تهافت عليهم طلاب العلم والمعرفة من جميع أصقاع الأرض.

 

لكن عندما هُجرت المكتبات و تـركت التّرجمة وتراجعت حركة التأليف، ولم تعد أمة اقرأ تقرأ، تراجعت الأمة الإسلامية القهقرى وأصبحت أمّة مستهلكة تعيش على ما ينتجه الآخر من فكر ومعرفة وتكنولوجيا وصناعة….، وتحوّلت من الرّيادة و السّيادة لتُصبح تابعة منقادة، وجاعت أمة المسلمين واستعبدت.

 

في دراسة أجرتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) بيّنت أنّ نسبة القراءة للمواطن العربي تقدر بـ 6 دقائق في السّنة، أي بمعدل كتاب واحد لأحد عشر فردًا، في حين تقدر نسبة القراءة عند نظيره الأمريكي بــ 200 ساعة سنويّا، أي أنّ كلّ  مواطن أمريكي يقرأ  قرابة عشرين كتابًا في السنة.  وحسب المصدر نفسه قُدّرت نسبة الأمّية في العالم الإسلامي  بحوالي 19% من إجمالي السّكان، في حين احتفلت الولايات المتّحدة الأمريكيّة  والعديد من الدّول الأخرى المتقدمة  في السّنوات الأخيرة بزوال آخر أمّي لديها، وهذا يعكس تفاوت نسب براءات الاختراع بين العالم الصناعي والعالم النامي، ففي سنة 2008 م  تقدمت اليابان بـ  28774براءة اختراع، أما  ألمانيا فقد سجلت 18428، في حين قدرت براءات الاختراع في فرنسا بـ6867 ، وبلغت في بريطانيا 5517 .

 

وإذا نظرنا إلى عدد براءات الاختراع في الدول العربية نجد أنها حصلت مجتمعة في السنة نفسها على 173 براءة اختراع فقط، أمّا إسرائيل فقد وصل رصيدها إلى 1882 براءة اختراع . ولعله من خلال هذه النسب ندرك لماذا تم استعبادنا بما يصنعونه ويخترعونه، وصرنا أتباعا بعد أن كنا أسيادًا، حيث نلبس ما يحيكونه ونأكل ما ينتجونه و نلهو بما يصنعونه و نقرأ ما يكتبونه، وبذلك  تم غزونا فكريّا و اقتصاديا و ثقافيّا، فاستعبدونا دون جيش و كبّلونا دون قيد.

 

وقد يتساءل  المرء: ما السبيل إلى الخروج من حالة التبعية هذه؟ و كيف يمكن اللحقاق بركب هذه الأمم المتقدمة؟ في حقيقة الأمر لا توجد كلمة سحرية يمكن أن نردّدها فينقلب الحال و تتغير المعطيات، وإنما السّبيل الأمثل هو القراءة والعودة إلى الكتاب، فقد سُئل فولتيـــر عمـن سيقود الجنس البشري، فأجاب: الذين يعرفون كيـف يقرأون.

 

لذلك على جميع المؤسّسات الحكوميّة والثقافيّة أن تحمل على عاتقها مسؤولية إحياء ثقافة القراءة لدى المواطن العربي وتعزيزها من خلال بعث نوادي القراءة و التشجيع على الكتابة والتأليف وتوفير الكتب في جميع الأماكن؛ في محطات القطارات و الحافلات و المقاهي، كما يمكن لبعض المطاعم  أن توفر للزبون كتاباً يقرأه في فترات انتظار الوجبات، ويمكن تخصيص ركن في الحدائق العمومية تتوفر به مجموعة كتب للقراءة. يمكن إطلاق حملات توعية بأهمية القراءة. وفي فرنسا، قبل سنوات عندما وجدت  وزارة الثقافة الفرنسيّة أن الناس عزفوا عن الكتاب لصالح الإنترنت، أعلن  وزير الثقافة الفرنسي حالة التعبئة ونزل ومعه كبار المؤلّفين والمفكرين والمثقفين إلى الشّوارع والحدائق والأماكن العامة يقرؤون أمام النّاس، ويتحدثون إلى النّاس عن القراءة ويشجعونهم عليها في مهرجان أسموه “مهرجان جنون المطالعة”. وهذا دليل على مدى إيمانه بأن القراءة هي الوصفة السّحرية التي من شأنها أن تجعل من الضعف قوة ومن البؤس بأسًا ومن الظلمة نورًا .

 

ويمكن أن نستفيد من التّجربة اليابانية التي أصبح الكتاب فيها يصرف عبر مصارف آلية مُنتشرة في كل مكان شبيهة بمصارف النّقود. إنّ إحياء مثل هذه التجارب بين شبابنا وفي مجتمعنا ليس صعبًا، خاصة إذا أحيينا الاعتقاد الإسلامي حول القراءة بأنها عبادة وليست هواية. وعلينا ألا ننسى أن أول كلمة نزلت على خاتم النّبيين هي كلمة “اقرأ”، وهذا دليل على أهمّية  القراءة ودورها في تقدم الأمم وتطورها، فشعب يقرأ شعب لا يجوع و لا يُستعبد.

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet