محمد بيــرم الخامس وآراؤه لإنقـاذ الإمبراطوريـة العثمانيّـة

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 2

بقلم: د. عــلي الصولي

 

لا شك أنّ همّة الشيخ محمد بيرم الخامس وطموحه جعلاه يشعر بثقل المسؤولية التاريخية تجاه قضايا المسلمين بعد أن أدرك بعمقٍ واقع العالم الاسلامي و الأخطار الجسام التي تحدق به من كل صوب، مهددة كيانه الحضاري وحتى الدّيني. كلّ تلك العوامل الذّاتية والموضوعية رشّحت صاحب كتاب “صفوة الاعتبار” للعب دور رياديّ تجاوزت آثاره الرقعة الضيقة للوطن ليشمل كامل العالم الإسلامي.  فحاول أن يساهم في إنقاذه وتطويره بكل ما أوتي من جهد وفكر ومال على حساب صحته ومصالحه العائلية والمادية، رغم خطورة الظرف التّاريخي والملابسات القطرية والإسلامية والعالمية المتشعّبة.

 

ولا أدلّ على ذلك من اتّصاله المبكر والوثيق بجمعية “العروة الوثقى” التي انخرط في صفوفها منذ تأسيسها بالهند سنة 1882م، وذلك قـبل أن يعـــرف زعمـــاء الإصــــلاح بتــونس شيئًــا عـن هــذه الحركـــة السّياسيـــة السريــة[1] إذ لـم يحــدث الاتصال بها إلاّ بعد صدور مجلة “العروة الوثقى” بباريس سنة 1884م[2] حيث أرسل محمد عبده والأفغاني أعدادًا منها الى تونس.

 

وتذكر بعض الدراسات[3] أن الشّيخ بيرم “عمّر الوكر الذي خلا بسفر جمال الدين الأفغاني إلى الهند ونفي محمد عبده الى مسقط رأسه بمحلة نصر حيث قام باتصالات عديدة بشخصيات فكرية وسياسية التي كانت تحيط بالأفغاني وعبده. بل يحتمل كثيرا أنّه تحادث مع المصلح محمد عبده في مصر مدة إقامته الأولى بها سنة 1879 – 1881.

 

كما ارتأى بيرم تأسيـس جامعـة الممالك الإسلامية تكون نواتها ومركزها الدّولة العثمانية [4] تهــدف إلـى رقـي المسلميـن ونفعهـم وقوّتهم، وذلك عن طريق وحدة فيدرالية تضمن الاستقلال الدّاخلي للولايات العثمانيّة التي سوف تتّحد بدورها مع الممالك الإسلامية الأخرى[5] “ثم يصير الجميع عصبة واحدة تحت رئاسة الخليفة السّلطان العثماني”.

 

ولتدعيم هذه الوحدة أوصى صاحب “الصّفوة” أن يجتمع ملوك الدول الإسلامية وأمراؤها بالكعبة المطهّرة في بعض السّنين بصفة دورية، أو كلّما طرأ حدث يقتضي الاجتماع والمشورة، واتخاذ القرار المشترك من أجل مصلحة المسلمين. ولكن بيرم لم يكتف بتقديم النّصح العام والتّحمس لقضايا المسلمين، كما لم يقتصر على النّشاط السياسي من أجل إصلاح ما يمكن إصلاحه، بل كان للرّجل مشروع بديل وعملي ترجم عن عصارة فكره السّياسي والاجتماعي، قدّمه للسّلطان عبد الحميد الثاني ورجال الدّولة في الآستانة تحت عنوان “ملاحظات سياسيّة عن التّنظيمات اللاّزمة للدّولة العلية[6]“.

 

تضمّن المشروع اثنين  وعشرين بندًا يرى في تطبيقها خير سبيل لإنقاذ الإمبراطورية العثمانية من التآكل والانهيار، وخير ضامن لوحدة المسلمين ورقيهم، في عصر اتّسم بصعود الهيمنة الغربية الأوروبية على العالم الإسلامي، والتّدهور السريع للدّولة العليّة وإيالاتها. فحاول قدر مستطاعه إيصال خطابه إلى أعلى هرم في الدّولة العثمانية وإقناعها بجدواه، مبينا بأسلوب ذكي ضرورة الإصلاح بعد فساد الأوضاع. لذا نراه قد استهل مشروعه الإصلاحي الجريء بتقديم مطول لشرح الأسباب والمسبّبات لتبرير مقترحاته التي تعد ضربًا من المجازفة، وربما عدّت لدى البعض تطاولاً على “الحضرة السّلطانية”. فلا غرابة إذن من وجود عبارات في مدخل الرّسالة تصل إلى حد التزلّف مراعاة لدقة الموقف والظرف، وذلك مثل قوله “فلما كان عبد السّلطنة السنية قد شملته العناية الشّاهانية حسب ديانته وأمانته، على مقتضى سنوح الفرصة بإذن الحضرة العلية السّلطانية، شفاهيا وكتابة، وقد علمت أن بعض الآراء رأى فيما قدمته من المسلك مخالفة للحقوق الواجبة  للذّات العلية السّلطانية[7]، ولو يصح ذلك يكون مناقضًا لأساس ما بنيت عليه أفكاري، إذ أساس ذلك كلّه هو إخـــلاص النّصح للذّات الشّاهانية وإلى ممالكهـا المحروسة حسبما توجبــه علـي الدّيانــة. فوجب على العبـد العاجز أن يبســــط هنا ما كـان شرحه في اللوائح السابقة على وجه يندفع به كل ما عساه أن يتوهم من مخالفة ذلك الأساس الرّاجع لحفظ الشّرع وحفظ الحقوق السّلطانية والمملكة، إذ ربّما كانت عباراتي فيما سبق غير وافية بالمراد”[8].

 

ويبرز تطور التفكير الاجتماعي والسّياسي للشّيخ محمد بيرم الخامس في مقدمة رسالته حينما يقر بأنّ مذهب السّلف المتعصبين في الإدارة السياسية لم يعد يناسب حاجة التّطور الحديث في البلاد العربية الإسلامية. ولكنه ينبّه في الآن نفسه إلى أنّ التّحرر الغربي في هذا المجال لا يناسب إلاّ إذا وافق الشّريعة الاسلامية “والأصول الموضوعية الدائمة التي يتأسس عليها المجتمع والفكر العربيّان الإسلاميان”[9]. بل يذهب بيرم – في توضيح موقفه من الفكر الغربي وما أفرزه من تيارات سياسية- إلى أنّه لا الاشتراكية ولا الليبرالية بقادرة على إحداث التغيير الإيجابي في المجتمع والفكر العربيين الإسلاميين”، وبذلك يظهر[10] أن لا مساغ في إجراء القوانين الأروباوية في الممالك الإسلامية قبل تطبيقها على أصول الشّريعة الإسلاميّة، إذ القوانين العقليّة إنّما تدوّن على حسب مصلحة أهل المملكة المؤلف القانون فيها، وعلى مقتضى عوائدهم وطبائعهم وسياستهم الدّاخلية وسعة حريتهم السّياسية أو ضيقها”[11]. وقد نقد صاحب الرّسالة الكثير من المأمورين المتظاهرين بأنهم “ليبرال” أو “كنسرفتور” تقليدًا للأوروبيين من غير علم، مؤكدًا مـن جديد أن الدّيانــة والأخـلاق هي أســاس النّجــاح فـي بـــلاد المسلميـن.

 

كما أشــــار في الآن نفسه -مستغلاّ سياق التحليل- إلى اختلال إدارة الدّولة العثمانيّة بسبب تفويض الوظائف إلى غير أهلها. وكذلك إجراء القوانين الأوروبيّة من غير استشارة العارفين بالأحكام الشّرعية، حيث طالب في مشروعه الإصلاحي بتدارك نقائص “الخطّ الهمايوني”[12] التي لاحظها في جل مؤسّسات الدولة العثمانية، مشيرا إلى ضرورة إحداث ” قانون مسؤولية الوزراء” وذلك لمراقبة نفوذ رجال الدّولة، ويحدد مسؤوليات الولاة والوزراء على وجه الخصوص للحدّ من الفوضى والتّسيب والاستبداد بالسلطة، وهو ما انعكس سلبيا على الموظفين الذين تفشت فيهم الأخلاق الرديئة “لعلمهم أن المدار في توظيفهم ليس هو براءة الذّمة، بل هو المداراة والمحاباة بالأسباب الغير المشروعة”[13]. وبذكاء سياسي مهّد بيرم لتجاوز قانون 1876م الذي ذكر محاسنه – مقارنة بما سبقه من الإجراءات- دون إغفال نقائصه الأساسية ومنها شروط المنتخب قبل انتخابه.

 

وكان هدف الشّيخ بيرم هو إقناع السّلطان عبد الحميد ورجال الدّولة العثمانية بما يمكن تسميته بـ”التعددية الديمقراطية”[14] لأن الحكم الاستبدادي المطلق قد تجاوزته الأحداث والتّطورات، وأنّ مسلك الدّولة القديم لم يعد ملائما للحالة الرّاهنة “فلزم تعيين المسلك الثاني”، ولكن قبل تقديم المشروع الإصلاحي ينبّه بيرم إلى أنّ هذه الجملة من الاصلاحات لا يمكن لها أن ترى النور إلاّ إذا توفرت الإرادة والعزيمة وهيئت والأرضية وتعوّدت عليها الطباع تدريجيا ودعمتها التّجربة.

 

وبعد شرح الأسباب الدّاعية إلى ضرورة الإصلاح الجذري ينتقل بيرم إلى عرض مشروعه المتمثل في اثنين وعشرين بندًا :

أولها: جمع المبعوثان[15] وضبط كيفيّة انتخاب الأعضاء بقانون. وتكون صفته انتخاب أهالي كلّ جهة من جهات كل ولاية عددًا مخصوصا ينتخب من هؤلاء عددًا لعضوية المجلس المذكور.

 

ثانيها: إنشاء قانون مسؤولية الوزراء بضبط مهام ومسؤولياتهم بشكل واضح ودقيق حتى يقوموا بمهامهم على الوجه الأكمل. وفي هذا الإطار يتطلع بيرم إلى إنشاء مجلس وزراء على النّمط الحديث يكون مسؤولاً أمام السّلطان لضمان حسن التّصرف في إطار قانون عادل يحقق للأمة التقدم والقوة والعدل.

 

ثالثها: إجراء قاعدة المجازاة والمكافأة، استنادًا إلى ما جاءت به الشّريعة الاسلامية. ومن هذا المنطلق وجب إحكام التّصرف في شؤون الموظفين، إذ لا يعقل عزل الموظف من غير جنحة. وعلى أساس المؤهلات والخبرة ينبني الحكم العادل في مجال المكافآت أو العقوبات حرصًا على مصلحة الفرد والجماعة.

 

رابعها: استخدام المتأهل من النّاس في سائر وظائف الدّولة واجتناب المحسوبية والرّشوة والتّعصب الجنسي “فتجب التّسوية بين الجميع، ومن السياسة المستحسنة مراعاة أكثرية الجنوس حتى تطمئن النّفوس ويزداد التحامهم بالدّولة، لأن حضرة سلطاننا أيده الله هو سلطان الجميع. ومقاصده لا تريد المحاباة في الوظائف فيما يجري من أغراض المنتخبين يؤول إلى ضرر ملكه من غير علمه…”[16].

 

خامسها: إنشاء قانون في انتخاب أعضاء مجالس الولايات على نحو انتخاب “المبعوثان”، “حيث تبين أن الادارة الموجودة في الولايات الآن لا يحصل على يدها درء المفاسد وجلب المصالح المطلوبة للولايات المذكورة…”[17].

 

ويجب على هذا المجلس الولائي أن يعمل تحت إشراف “مجلس المبعوثان” “الذي هو مرجع المشورة العامة للمملكة. ويشتمل على من هم من تلك الولايات ومن غيرهم ممن لهم إحاطة وعلم بمصالح الدّولة والمملكة عمومًا ومصلحة تلك الجهة خصوصا. فيقدم ما يليق بمصلحة العموم إذ المصالح العامة مقدمة على المصالح الخاصة. فـ”مجلس المبعوثان” لا يسوغ له أن يوافق على مصلحة خاصة بقبيلة إذا ثبت أنها تضرّ بمصلحة الدّولة والأمة عموما، ثم وراء ذلك العرض على الأعتاب السلطانية ولها التّدبير في إجراء ما يوافق ممالكها”[18].

 

سادسها: وضع قوانين الجندرمة المكلّفة بحفظ الرّاحة وتنفيذ الأحكام، حيث وجب مزيد ضبط قوانين هذه المسؤولية الخطيرة والدقيقة حتى لا تستغل في أغراض شخصيّة وحتى لا يقع تجاوز المهمة المنوطة بعهدة رجال الأمن، مما أدّى في كثير من الأحيان إلى العسف والظلم والاعتداء على كرامة النّاس وأعراضهم، “ولذلك يلزم أن يكون رؤساء الجندرمة وأنفارها متصفين بالصفات الحميدة من العفة والمروءة وحسن الخلق والصّدق فيما ينقلونه، وأن يكونوا مطيعين ومنقادين إلى القوانين، وأن تكون رؤساؤهم من الصادقين في النّصح والمحافظة على الحقوق الشّاهانية”[19].

 

سابعها: إحداث مجلس عدلي يضم عشرة أعضاء من أعلم النّاس، ينتخبون لمدة خمس سنوات ويخضعون لقانون ينظم كيفية أعمال المجلس المذكور وكيفية تبديل أعضائه وموجبات عزلهم. مع الإشارة إلى أنّ هذا المجلس ينقسم إلى قسمين تسند رئاسة كل واحد إلى أحد الأعضاء الذين يقع انتخابهم لمدة خمس سنوات. وبهذه الطريقة يقع الابتعاد عن القضاء الفردي المعرض للزّلات والأخطاء وما ينجر عن ذلك من تشكيك في استقامة العدل الذي هو أساس العمران.

 

ثامنها: تشكيل المحاكم الشّرعية في بلدان المملكة، بقانون يصدره المجلس العدلي مع بيان أعمالها وبيان صورة المراسلة بين المحاكم وبين باب المشيخة الذي تشكل فيه المجلس المذكور، مما يضمن المشاورة والاتصال بين مختلف الدوائر القضائية لتلقي الشكايات والفصل في القضايا المختلفة.

 

تاسعها: القانون الإطاري للمحاكم الشّرعية، ينبثق من المجلس القضائي الذي “له النّظر في انتخاب الموظفين الشّرعيين إلى رتبة معينة، وما كان أعلى منها يقع انتخابه باجتماع كل من قسمي المجلس”[20].

 

عاشرها: مراعاة شرط العلم والعفّة في المترشح للخطة القضائية نظرا لأهميتها واعتبارها “فيلزم أن لا يراعى فيها إلا صفات العلم والمروءة حقيقة، إذ هما من الأمور المكتسبة لا الوراثيّة.. فإن تساوى اثنان في جميع الصّفات اقترعا بينهما…”[21] .

 

حادي عشرها: تعميم التّعليم للعلوم الدينية والاعتناء بطلاب العلم، وذلك للنهوض بالتّعليم الذي به ترتقي الأمة إلى مصاف الأمم المتقدمة. ولن تتحقق الغاية المنشودة إلاّ من خلال إقامة نظام محكم يشمل كلّ الجوانب المتصلة بمجالات التّدريس من مؤسسات وأساتذة وطلبة ومكتبات وغيرها من مستلزمات هذا الميدان.

 

فيرى محمد بيرم الخامس أنّ “القسم الأول له النّظر في تعميم التّعليم للعلوم الدّينية وتعيين الموظفين إليها، وتحقيق أحوال الطلبة وكيفية إلقاء الدروس وتقسيم العلوم والكتب…وحفظ خزائن الكتب وتعميم نفعها وانتخاب المأمورين بالتفتيش على سيرة المدرسين والتّلامـــذة فـي تعليـــم العلوم وتقدمهــم، ومراجعــــة التّقاريـــر الواردة مــن المفتشيــــن المذكوريــــن ليتحقــق عنـــد المجلـــس المذكور أحوال التّعلم والتعليــم هل هي جارية علـــى وفق المراد، وحفـظ أموال اليتامـى وتفقـد سيرة المباشريـن لإدارتهــــا سـواء كان فـــــي مقـــر الخلافـة أو في سائر الممالك المحروسة..”[22]. فالشّيخ بيرم يؤمن بتأصيل التّعليم وتفتحه على العلوم المعاصرة. ولإنجاح هذه السياسة التعليمية لا بدّ من تهيئة الأسباب الضرورية حتى ينتشر العلم والوعي في صفوف الرعية، وتزدهر الدولة وترتفع راية الإسلام وقيمة المسلمين بين الأمم.

 

ثاني عشرها: شروط ترقية المأمورين الشّرعيين، فلا مجال -في نظر بيرم- للارتقاء من رتبة الى أخرى إلا بعد مضي فترة ثلاث سنين تكون كافية لاكتساب الخبرة والمعرفة التي ترشحه إلى منصب أرقى يكون بدوره حقًا لكل موظف، وعاملاً للتشجيع على البذل والعطاء. غير أنّه يستثني المتفوقين الموهوبين الذين يمكن للمجلس المذكور -باجتماع قسميه- الرفع من رتبهم قبل تلك المدة، حيث يقول : “لا ترفع رتبة أحد من المأمورين الشّرعيين، أيا كان قبل مضي ثلاث سنين من أخذه للرتبة السابقة إلاّ اذا ثبت عند المجلس باجتماع قسميه تأهل زائد على المعتاد، فللمجلس ترقيته”[23].

 

ثالث عشرها: ضرورة إلمام الحكام الموجهين إلى جهات الممالك بأخلاق الأهالي ومعرفة لغتهم، لأن ذلك من شأنه أن يساعد الحاكم على النجاح في مهمته حينما يكون أقرب للأهالي بتفهم طباعهم وعقلياتهم ومشاغلهم والتحادث إليهم مباشرة بلغتهم حتى يستأنسوا إليه وتدفع الجميع للتعاون وإرساء العدل، “فلذلك يشترط فيمن يوجه منهم إلى جهات الممالك المحروسة أن يكون عالما بلغة وأخلاق أهل الجهة المتوجه إليها عملا بنصوص الفقه فــــــي  كتاب القضاء من لزوم معرفته بالنّاس وعوائدهم”[24].

 

رابع عشرها: مهمــة القسـم الثّانـي مـن المجلـس : تتمثل فـي “تحقيـق الأحكام الشّرعيــة التي تصدر عـن المحاكـم الشّرعية في مقـر الخلافـة أو في الولايات. وبحكم هـــذا المجلـس يرفـع الخـلاف بيـن الـخصـوم إلا في المسائل التي يـرى الباب العالي لـزوم إعـادة النظـر فــي الحكـم فإنّــه يجتمــــع لـــذلــك كـــلّ مـــــن قسمــــي المجلــــس تحــــــت رئـاســة شيـــخ الإسلام”[25] باعتبارها أعلى سلطة قضائيّة لا مجال للتعقيب في أحكامها التي أصدرتها، حيث تعتبر بمثابة المقياس الذي ينبغي الأخذ به من قبل سائر الهيئات القضائية الأخرى.

 

خامس عشرها: دور “شيخ الإسلام” في إجراء قرارات المجلس وذلك في تنفيذ كل ما يتعلق بالقرارات المتصلة بالوظائف والإدارة أو حول مسائل شرعية وعدلية، كما أنه مطالب بمراجعة السّلطة المركزية وإحاطتها بالترتيبات والإجراءات التي تحقق الجدوى. ولكن يمكن للمجلس أن يعلم – بالحجة والدليل- الباب العالي “بما ثبت عنده من قصور شيخ الإسلام أو تقاصره عن إجراء ما ذكر على الوجه المطلوب…”.

 

سادس عشرها: المطالبة بإحداث مجلس حكم في مركز كل ولاية بإشراف قاض، لتقريب القضاء من السّكان، وفض قضاياهم في أقرب الآجال وقد دعا بيرم إلى إنشاء مجلس قضائي في عاصمة كل ولاية مركب من خمسة “علماء” تحت رئاسة القاضي بحيث يكتمل النّصاب عند حضور ثلاثة من بينهم لحصول اتفاق الأغلبية أو قرار نهائي حول قضية من القضايا المطروحة على المجلس. كما أشار بيرم إلى ضرورة وجود مكتب متصرّف يتكون من قاض وعضوين. وبهذا يقع ضبط الإجراءات حسب نوعية القضايا بشكل تسلسلي تجنّبا للفوضى ومضيعة الوقت إذ “يحدّد كلّ نوع من النوازل في أي مجلس ينتهي فيه الحكم بحيث لا تستوي النّوازل العظيمة بغيرها في انتهاء رفعها إلى دار الخلافة… وكذلك يرتب حكام شرعيون في مراكز المديرية وغيرها، يحكمون في النّوازل التي لا تتجاوز مبلغها حدّا محدودًا وبحكمه تنتهي النّازلة..”[26].

 

سابع عشرها: الفصل بين المحاكم الملكية والمحاكم الشّرعيـة، الهدف منه هــو تحديــد الاختصاصات كـي لا يقع الخلط فـي النّوازل بين الصنفـيـن مــن المحاكـم مـع التّذكيـر أنـه “يلــزم نظـارة العدليــة انتخـاب مأمـوري العدليّـة مـن أعضاء المجالـس الملـــــكية وغـيرهم انتخابًــا حقيقيّــا على حسب الأهليّة والجدارة من العفة والمعرفة حتى تقطع الشّكايات من الارتشاء الذي هو أعظم المضرات للدّولة والأهالي”[27].

 

ثامن عشرها: قطع وجه المحاباة في فصل النّوازل تطبيقًا لمساواة النّاس أمام القانون في الحقوق والواجبات “فيلزم جعل كيفية ينقطع بها وجه المحاباة في فصل النّوازل حتى تكون كلّها لدى الحكم سواء في سرعة إجراء فصلها، سواء كان في المحاكم الملكية أو        الشّرعية”[28]. وهذه إشارة نقدية من الشّيخ بيرم للأوضاع المتردية التي كانت عليها الحياة القضائية في السلطنة وإيالاتها من محسوبية ورشاوي ومحاباة…

 

تاسع عشرها: رفع النّوازل إلى السلط العليا، حيث يرى بيرم أنّه “إذا تداخل أحد ذوي النّفوذ في النوازل الحكمية ولم يكن في استطاعة أهل المحاكم مدافعته فعليهم حينئذ برفع أمر التّداخل إلى النظارة التي يرجعون إليها من المشيخة الإسلامية أو العدلية. وعلى النّظارة المذكورة رفع ذلك التّداخل وإجراء النازلة على ما تقتضيه الشّريعة أو القانون أو إنهاؤه عند العجز إلى الصدارة لكي ترفع للحضرة الشاهانية الأمر حتى تزيل العوائق عن إجراء العدل بين رعاياها. وإن لم تفعل المجالس والنّظارات ما ذكر فتكون هي المسؤولة عمن أخل بمأموريته”[29].

وهذا الأسلوب هو أقصى ضمان لإيصال الحق لأصحابه وردع المتلاعبين بحقوق الناس.

 

العشرون منها: الإسراع بفصل النّوازل الدّاخلية والخارجية التي تضمنتها معاهدة برلين  وذلك عملاً بقاعدة ارتكاب أخف الضررين لتجنب الاضطرابات الدّاخلية وسد الطريق أمام القوى الأجنبية المتربصة بالإمبراطورية العثمانية. كما نصح بيرم الباب العالي بعقد تحالف مع إحدى الدّول الكبرى (انكلترا بالخصوص) التي لها مصالح ذاتيّة على محافظة بقاء الدّولة العثمانية.

 

الواحد والعشرون: تصفية الدّيون المالية وتوحيدها، للخروج من الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها السّلطنة العثمانية، وقد اقترح خامس البيارمة توحيد نظام الدّيون وإدماج الغرامة الحربية التي فرضت من طرف روسيا في إطار الديون العامة، مما يساعد على توظيف الفوائض ومراجعتها للتّخفيف من تلك الدّيون، وبالتالي التّمكن من تسديدها في آجال معقولة، لأن “إبقاء جميع الدّيون على الحالة الراهنة (ممّا) يجلب على الدولة مداخلات الدّول في كل وقت بدعوى رعاية أموال رعاياهم”[30].

 

الثّاني والعشرون: أسس اختيار الوكلاء وتطوير خطتهم تمشيا مع مقتضيات العصر وضروريات الحكم. فانطلاقا من الواقع التّاريخي الإسلامي، وبالخصوص عهود الخلفاء الرّاشدين والدّولة العباسية وأوائل الدّولة العثمانية، يقدم بيرم رأيه فيما يتعلق بمسألة التّفويض ومقتضياته باعتباره ضرورة سياسيّة يفرضها تسيير شؤون الإمبراطورية العثمانية مترامية الأطراف شرقًا وغربًا.

 

لذلك يرى أنّ “توكيل الخليفة على ثلاثة أضراب: أولها أن يوكل على مجرد إجراء الأعمال فقط وينفرد هو بالرأي وحده. وهذا الطّريق غير صالح لمخالفته الشّرع في الأمر بالتّشاور مع أهل الحلّ والعقد…- الضّرب الثاني: هو التّوكيل في كلّ من الرأي والتّدبير والعمل بمقتضاه من غير مراجعة الخليفة أو إطلاعه كما جرى في أواخر العباسيين بالمشرق، وحين انتقالهم إلى مصر بعد واقعة “التتر” الكبرى. وهذا النّوع أيضا مخالف للسّنة ومضر بالخلافة والأمة لإمكان تلاعب أصحاب الأمر بالمصالح حسب الأهواء، حيث لا احتساب عليهم من جهة الخليفة، وتفسد الأمة لما ترى أنّ الخليفة سلمهم لغيره فلا ينتظم أمر ولا يستقر قرار. وكلّ ذلك يجب دحضه والتّباعد عنه. – الضّرب الثالث: أن يوكـــل الخليفــة علـى التدبيـر، لكــن علــى شـــرط إطلاعــــه وتدبـــره فيــــه وتسليمـه لديـه إلاّ الأمـور التـي لا تتوقـف على عرضـها علـى الخليفــة لأن إجــراءها داخل في وكالة الوكيـل. وهــذا الضّـرب هــو الموافــق لعمـل السّلـف مـن خلفـاء بنـي العبـاس وخلفـاء آل عثمان.. وهذه الطريقة أيضا في هاته الدّولة العلية المحروسة متفاوتة الحالات من توسيع وتضييق، وأحسنها أوسط الحالات…”[31]. إلاّ أنّ الشيخ بيرم الخامس يلفت النظر إلى ضرورة تطوير خطة الوكلاء حتى تواكب متطلبات الأوضاع المعاصرة وتتماشى مع المصلحة العامة. وذلك بضرورة القيام ببعض التحويرات الأساسية التي يفرضها الواقع الجديد.

 

فالأساس الأول والرئيسي في اختيار أو انتداب الوكيل هو الجمع بين العلم والعفة لأن الوكيل ” قد وكّل اعتمادا على دينه وأمانته وإصابة رأيه، وذلك الرأي هو مناط ديانته وأمانته ومسؤوليته على أفعاله”. والى جانب ذلك يشترط صاحب الصفوة اتحاد الرؤية العامة في الحكومة والمسؤولين عموما لنجاح إدارة الدولة وتحقيق المقصد المطلوب لأن الدولة في نظره كالآلة مرتبط بعضها ببعض حيث يجب أن تعمل كلها على منهاج واحد، إذ المعلوم أنّ رجال الدولة على أربعة أصناف : “جاهل عفيف يضر بجهله. وجاهل مرتش، وهذا أخطر الأصناف لأن مضرته تأتي من صفتيه، فالجهل أساس الخراب والإرتشاء أفضع صفات التدمير. وعالم مرتش، (وهذا) وإن انتفت منه المضرات الناشئة عن الجاهل العفيف الا أنه أخطر منه لأنه يوظف علمه في مآربه الشخصية الدنيئة مما يصعب على الناقد البصير الاحتراز من مكائده.

 

ثم نجد العالم العفيف وهو المطلوب والصّالح بالتقلد لسائر وظائف الدولة لا سيما المناصب العالية، حيث يهتدي بعلمه إلى المصالح وأسبابها وكيفية انتهاجها، ويطمئن على إيفائه بما عهد إليه من مسؤوليات جسام، وتحصل بالتالي ثقة الأهالي بالدّولة ورجالها. وفي ذلك يقول بيرم:  “تبيّن أنّه لا تحصل ثمرة من خلط القسم الرّابع مع غيره (لذا) وجب أن لا تتركب الوزارة إلاّ من خصوص القسم الرّابع…”[32] ، وهذا غير مستحيل ولا مثالي لأن الأمة لا تخلو، في نظره من هذا الصنف لأنّ “أهل كل زمان وخياره بحسبه فينتقي الأمثل فالأمثل عملا بالقاعدة المعروفة من بلغ المجهود حقّ له العذر”.

 

فالشيخ بيرم لم يكتف، مثل غيره برسم الخطوط العريضة لفكره الاصلاحي في هذه المسألة الخطيرة، بل عرض بذكاء وشجاعةٍ نادرةٍ على أعلى هرم سياسي في الدولة العثمانيّة برنامجًا إصلاحيا مفصلاً، حاول فيه صاحبه إصلاح الوضع السياسي وتطويره بشكل يراعي خصائص المجتمعات الإسلامية والتحولات العميقة التي تشهدها الساحة السياسية العالمية، مستمدّا بدائله من المحطات المستنيرة في التّاريخ الاسلامي عبر قراءة معاصرة وأصيلة لمقاصد الشّريعة العليا في هذا المجال، حيث رأى في الشّورى الجماعية والمؤسسات الدّستورية والقوانين التّشريعية الراقية خير ضامن لحياة سياسية ناجحة ومتطوّرة تضمن حقوق المسلمين وتدعم هيبة الدّولة العثمانية إسلاميّا وعالميّا.

 

وقد أكد في خاتمة رسالته “ملاحظات سياسية عن التّنظيمات اللازمة للدّولة العلية” أنّ إصلاح الوضع السياسي وتطوره لا يكفي فيه عمل الفرد أو الاثنين مهما بلغ الاجتهاد واتسعت المعارف، فالقضية في نظره عمل جماعي لعقلاء الأمة ممن لهم صفات العلم الشّرعي والسّياسة الشّرعية ولأهل الدّراية بالسّياسة الدّاخلية، ولمن لهم خبرة بطبائع وأخلاق الأهالي وحالاتهم، ولأهل الاطلاع على السياسة الخارجية ومناهج الدولة “ثم يتدبرون في الموضوع إلى أن يستقر قرارهم على طريقة يستصوبونها، فيعرضونها على الخليفة ليزيد فيها تبصرا، وإذ ذاك يأمر بالعمل والإجراء علـى مقتضاها”[33].

 

وإيمانا منه بهذا التّوجه الشّوري ذكّر من جديد أنه لا يتعصب لرأيه رغم ما حصل له من شرف السلطنة العثمانية باستطلاع أفكاره في هذا الموضوع، حيث “لا يدعي أنه لا يمكن أن يكون عند العقلاء وجه آخر مستحسن لديهم غير الوجه الذي قرره. وإذا كان كذلك يلزم بالضّرورة اتباع ما هو مستحسن عند الجماعة من أهل الدراية، لا ما يستحسن عند أفراد دون الجمهور. لأن -كما يقول- قد قدمنا أن أساس المشورة مع عقلاء الأمّة لا بد منه في الإدارة. مذكرا أنّ ” جميع العقلاء من الخاصة والعامة غير مستحسن للحالة الراهنة، بلا شك”، وهو ما يفسر حرص الخليفة العثماني واهتمامه الشديد “بسبر الطريقة التي يتأسس عليها النّجاح”.

 

 

ويعتقد الشّيخ محمد بيرم الخامس أن تلك الطريقة في معالجة المسألة السّياسية سوف تثمر بلا ريب، وتنعكس نتائجها على الواقع الذي تعيشه الدّولة العثمانية وإيالاتها، من ذلك :

أ) إرضاء الخالق جلّ وعلا باتباع أمره.

ب) راحة الفكر السّلطاني بأن ما فعله مطابق للمصلحة وحاصل على رضى عقلاء الأمة.

ج) سهولة الإجراء بانقياد العموم إلى ما يترتب من المسلك لأنه من نتائج المشورة، ويحصل ذلك أيضا ولو من الرعايا الغير المسلمين لما ارتكز في علمهم من أن نتائج المشورة نفعها عام.

د) دوام العمل بما يؤسسه (الخليفة) لأنه أساس العدل، وقد فضل الحكماء مؤسس العدل ومجريه على صاحب الفتوحات الكثيرة، لأن مصير الفتوحات الخالية من العدل إلى التقلص والاختلال، ومصير المملكة ذات العدل إلى البسطة والاعتداء. والحكيم من نظر الى الاستقبال لا من اغتر ببهجة الحال.

هـ) وجود حزب عام من النّوع المسمى “كنسرفتور- Conservateur “أي المحافظين…إذ يجدون إذ ذاك ما يحافظون عليه من التراتيب، سيما وهي مبنية على المشورة العامة ومؤسسها هو أمير المؤمنين الذي هو الطريق الوحيد في ممالك الإسلام( في نظر بيرم). وذلك لأنّ تأسيس التراتيب في الممالك حسب ما أفادته التجربة: إمّا أن يتفضل به صاحب الملك باختياره … إيثارًا للمصلحة العامة ولإبقاء ملكه، أو تطلب الأمة تأسيس التراتيب السياسية المذكورة ويصلون إليها… ثم بعد حصول المقصود على النحو المقرر فركنه الأعظم هو التجلّد والصبر على إجرائه، والمداومة عليه، إذ آفة العمل الملل وثمرات الأعمال الجسيمة لا تظهر كلّها عن عجل، وإنما يبتدئ نموها تدريجًا، وهو علامة الدّولة، وقد قال عليه الصلاة والسلام : “أحبّ العمل إلى الله أدومه”[34].

 

وهكذا قـدم لنـا بيرم الخامس أنموذجًــا للتّفكيــر السياسـي حـاول من خلاله أن يحقــق الموازنـة بيـن واقـــع العالـــم الاسلامـــي والمستجــــدات الطارئـة التــي لــم يــر المسلمون مثيلاتها في تاريخهـم الطويـل، فارتكـز  على انتصاره العنيد للمؤسسـات الدستوريـــــة وإعادة الاعتبـــار للنّخبة المثقفة لتلعب دورها في وضع البرامج الإصلاحية للإدارة والعدل والتربية والتعليم والاقتصاد، والمطالبة بمراقبة صارمة لرجال السّلطة من وزراء ومسؤولين في الدولة، ناقدًا بشجاعة نادرة “مذهب السّلف المتعصبين في الإدارة السياسية” الذي لم يعد يناسب حاجة التّطور الحديث، هذا المذهب الذي لا يناسب – في نظره- إلاّ إذا وافق الشّريعة الإسلامية وخصوصيات المجتمع والفكر الاسلامي. ولا شك أن هذه المرتكزات سوف تقلص من نفوذ رجال الدّولة وتضع حدّا للفوضى السياسية وتمهد لتقاليد سياسية جديدة تحترم فيها القوانين والمؤسسات الدستورية.

 

كما نلاحظ تجذّر هذا التّفكير السياسي في الشّرع الاسلامي وتأسيسه على أصول الشّريعة ومقاصدها العليا، ودفاعه عن دولة مركزية عثمانية قوية وعادلة تقوم على برلمان يتفرع إلى مجلسين ورئيس للدّولة مع مراعاة المروءة والعلم في المرشّح لأي خطة أو منصب.

 

الهــــوامش

[1] وهو ما أكده الدكتور ” علي الشابي ” في دراسة نشرت بالمجلة التاريخية المغاربية ( عدد 10 – 11 ، جانفي 1978 ، تونس ، ص. ص 45- 52 ) مبينا أنّ ما قرره الشيخ محمد الصادق بسيس في تقديمه لكتاب” النازلة التونسية ” لمحمد السنوسي و من قبله الأستاذ الحبيب الجنحاني في بحثه عن الحركة الإصلاحية في تونس خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، من أن السنوسي انضم لجمعية العروة الوثقى قبل صدور مجلة العروة الوثقى . و على التحديد أثناء رحلته إلى الشرق  سنة 1882 عند اتصاله بمحمد بيرم الخامس و الأمير عبد القادر الجزائري . فمحض خطاء مأتاه أنّ كلا من الباحثين استروح مما أشار إليه الأستاذ المنصف الشنوفي في تعريفه الموجز بمحمد بيرم الخامس و محمد السنوسي باعتبارهما أبرز الأعضاء التونسيين في جمعية العروة الوثقى . أنّ السنوسي انخرط في الجمعية قبل صدور المجلة و بالذات أثناء رحلته إلى الشرق سنة 1882 . ذلك أن الشنوفي لم يقصد من وراء ذكر السنوسي مع بيرم الإلماع إلى التاريخ الموحد الذي انخرط فيه و إنما قصد التعريف بأبرز من انضم من التونسيين لهذه الجمعية .. و الدليل على ذلك أن السنوسي لم ينضم لهذه الجمعية إلا أثناء زورة محمد عبده الأولى لتونس التي استمرت من 6 ديسمبر 1884 إلى 4 جانفي 1885 . وهو ما جاء في الرسالة التي وجهها الشيخ عبده من تونس بتاريخ 24 ديسمبر 1884 إلى جمال الدين الأفغاني في باريس . إذ قال له فيها ” إن النخبة التونسية و في مقدمتها دون شك محمد السنوسي لم تكن تعرف قبل اجتماعها بي أن العروة الوثقى اسم لجمعية أسسها الأفغاني في حيدر آباد بالهند . و لها فروعا سرية في بلاد كثيرة   و ذلك قبل أن تكون اسما لمجلة …”

 

 [2] أصدر الأفغاني بالتعاون مع محمد عبده مجلة “العروة الوثقى ” بباريس فيما بين 13 مارس 1884 م و 17 أكتوبر 1884 م . ظهر منها ثمانية عشر عددا في ثمانية أشهر ( انظر : أحمد أمين ، زعماء الإصلاح في العصر الحديث ، دار الكتاب العربي ، بيروت – لبنان .ص.ص 82- 83 ).

[3]   راجع دراسة المنصف الشنوفي تحت عنوان : مصادر عن رحلتي الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده إلى تونس،  وذلك بـ : حوليات الجامعة التونسية ، العدد الثالث – 1966 ، ص.ص 76- 77 .

[4]   كان بيرم متأثرا بالتجربة الألمانية ، حيث كانت ألمانيــــا إمارات منفصلـــة و ضعيفـــة ثم توحّـــدت جميعا تحـــت حكــــم ملــك بروسيـــا ” غليوم الأول)         Guillaume Ier de Hohen Zollern ( 1797 – 1888 وقد توج  امبراطورا لألمانيا سنة 1871م و تمت وحدتها وعظمتها بفضل حنكة وزيره بيسمارك  (1898 – 1815) .  (انظر المرجع السّابق . ص : 458 و كذلك Nouveau Larousse Elémentaire, p. 78 ).

[5]      نذكّر هنا أنه كان للمسلمين  بين 1786 م إلى 1883 م، أربع دول إسلامية : الدّولة العثمانية وما يتبعها من ولايات في المشرق والمغرب العربيين، ثم الدّولة السّعدية العلوية بالمغرب الأقصى، ثم الدّولة القاجارية ببلاد فارس (إيران) و أخيرًا الدّولة الخديوية بمصر (انظر :عبد المتعالي الصّعيدي ، المجدّدون في الإسلام ، القاهرة ، ص . ص. 446 و ما بعدها).

[6]   نشرت هذه الرسالة لأوّل مرة على نفقة “حسين أفندي حسين السامالوني “بدون إشارة إلى تاريخ الطبعة الأولى ومكانها وحجمها، و ذلك بسنة 1898 أي بعد مضي تسع سنوات على وفاة محمد بيرم الخامس .

[7] حول مقابلة بيرم الخامس مع السّلطان عبد الحميد الثاني ، راجع ” الرّحلة الحجازية”،  تحقيق علي الشنوفي، ج 2، ص. 103.

[8]  “ملاحظات سياسية.”، ص. ص . 3 – 4.

[9]   راجع تحليل الأستاذ “البشير التليلي”، في دراسته باللغة الفرنسية    “L’idée d’un bon gouvernement  Ottoman dans la pensée de Bayram V:  1840 – 1889” dans : Cahiers de Tunisie – Publication : Université de Tunis -n°79-80 – Anné 1972

[10]  أي بعد أن أوضح بصرامة مبدئية أن تلك الآراء والنزعات غير مطابقة لأصول الشريعة الإسلامية وأن المطالبة بإجرائها هو إعراض عن الشرع. مؤكدا أن الاتجاه الليبرالي يعيبه التسيب والفوضى مما يجعل السلطة هشة وغير فاعلة، أما “الاشتراكية” ففيها مس بالحقوق الطبيعية للإنسان وكبت سياسي من شأنه أن يثقل كاهل الرعية ويسلبها الحرية في التعبير والرأي والمشاركة الحقيقية في الحياة السياسية (انظر تفاصيل ذلك بالرسالة المذكورة ص. ص : 8 – 11).

[11]  ملاحظات سياسية…”، ص.ص : 7 – 8.

[12]  “خط همايون” : اصطلاح سياسي في التاريخ العثماني يشير الى القانون الأساسي الإصلاحي الذي أصدره السلطان عبد المجيد بعد حرب “القرم” ويتضمن مساواة الرعايا المسلمين وغير المسلمين وحق الحرية الدينية وكذلك الإصلاح الإداري. وقد صدر هذا القانون سنة 1272هـ الموافق لسنة 1856 الى غاية سنة 1293هـ/1876م تاريخ صدور دستور “مدحت باشا” (انظر : القاموس الإسلامي – ج 2 – ص : 259).

[13]   ملاحظات – ص. ص : 15 – 16.

[14]   انظر:   Béchir Tlili , L’idée d’un bon gouvernement ottoman dans la pensée de Bayram V, p. 300

[15]  مجلس المبعوثان: مصطلح عثماني شبيه بمجلس الشّورى الذي عرف في فجر الاسلام، أو ما عرف حديثًا عند الأوروبيين بمجلس النّواب. ومجلس المبعوثان الذي يطالب به بيرم إنما هو عبارة عن مزيج من النمط الأوروبي والنّظام الإسلامي، حيث يجمع – ولو بصفة نسبيّة – بين مبدأ الانتخاب (داخل المجلس وليس الانتخاب العام والمباشر) وبين ضرورة الالتزام بمبادئ الشريعة الاسلامية من استقامة وعلم وإيمان صحيح…

[16]  ملاحظات ..، ص. ص : 25 – 26.

[17]  ملاحظات سياسية…، ص. 26.

[18]  المصدر السابق، ص. 27.

[19]  المصدر نفسه، ص. 27.

[20]  المصدر نفسه، ص. 27.

[21]  المصدر نفسه، ص. 28.

[22]  المصدر نفسه، ص. 29-30.

[23]  المصدر  نفسه، ص. 30.

[24]  المصدر  نفسه، ص. ص.  30 – 31.

[25]  المصدر نفسه، ص. 31.

[26]  المصدر نفسه، ص. 33.

[27]  المصدر السابق، ص : 33.

[28]  المصدر نفسه، ص. 33 – 34.

[29]  المصدر نفسه، ص. 34.

[30]  “ملاحظات سياسية…”، ص. 35.

[31]  “ملاحظات سياسيّة….”، ص. ص.  37 – 38

[32]   ملاحظات سياسيّة….”، ص. ص.  44.

[33]  ملاحظات سياسيّة….”، ص. ص.  47.

[34]   “ملاحظات سياسية….”، ص. 48. الحديث أخرجه مسلم في صحيحه : 2/811، كتاب  “الصيام”، باب: “أكل النّاسي وشربه وجماعه لا يفطر”، كما أخرجه أحمد في مسنده: 6/199.

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 2

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet