قصـــة:  مـــرقة لُوبيَا

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0
بقلم: مهاب لحبيـري 

 

لست من عشّاق “مرقة اللّوبيا”، وبالأحرى لست من عشّاق حباتها. آكلها فقط لأسكت جوعًا لم أجد معه حلا آخر لأخرسه. التمس من المرق و قطعة اللّحم شبعا ظرفيا وأبقي حبات “اللّوبيا” وحيدة في الصحن تنتظر مصيرًا أو فاهًا آخر. كنت لا أستسيغها و لا أستطيع قبولها ضمن منظومة الهضم داخلي…

 

تتالت السّنوات وأصبحت طالبًا في كلية التّقنية بالعاصمة. و من حسن حظي كان المبيت ملاصقًا لحرم الجامعة، ومن حسن حظّ حظي أن المطعم الجامعي اِقتسم مع المبيت البناية نفسها. إحقاقًا للحقّ كانت الوجبات المقترحة في الغداء و العشاء محترمة…

 

“مرقة اللّوبيا” لم ترد أن تتركني في غربتي رغم ما لاقته منّي أيام الصّبا. مرتان في الأسبوع تقترح علينا إدارة المطعم وجبة “مرقة اللّوبيا”. الأمر تغير عما عهدته في بيتنا. الصّحن البلوري المزركش أضحى طبقًا حديديّا. حبات ” اللوبيا” العملاقة اعتزلت السّباحة. و أين ستصبح و المرق مضى بلا رجعة. أما اللحم فقد ترك مكانه لبيضتن مسلوقتين، و أما عن جوعي فلست مسؤولاً عنه إذا ما اشتدّ ضجيجه..

 

تتالت الأيام بين رحاب الجامعة، و تتالت وجبات “اللّوبيا” دون تغيير لتفاصيلها. ليس هناك مرق أغمس فيه الخبز و لا لحم ألوكه. التهم البيضتين، أو بالأحرى بقاياهما التي جادت بهما القشور. ألتمس الشّبع من ” الياغورتة” و أرجع الطّبق بحباته العملاقة.

 

كنّا متحلّقين في يوم من أيام “مرقة اللّوبيا” حول أطباقنا الحديدية. لم أكن الوحيد الذي يجافيها. الكل تقريبًا فعلوا مثلي إلا هو. كان يغمس الخبز بكلّ جوارحه ليحمل أكثر ما يمكن من حبات “اللّوبيا” و يرميها في فمه بكلّ حب. كنت أراقبه مشدوهًا. لم أكن أتخيل أنّ هناك من يستمتع بهذه الوجبة، وخاصة التي تقدم لنا في هذا المطعم الجامعي. المهمّ كان الطبق الحديدي مع آخر لقمة التقمها شبيها بالأطباق التي يمررونها في إشهارات سوائل التنظيف لشدّة نظافته. لم يترك لا حبة و لا قطرة مرق و لا حتى فتات خبز متمرّد. ظننت الأمر انتهى هنا حين هب واقفًا والطّبق معه. انشغلت بحديث جانبي لبضع ثوانٍ قبل أن يعود بطبق آخر فاضت جنباته بـ” مرقة اللّوبيا” وفاضت معه أحاسيسه مرة أخرى مستمتعًا بطعم لذيذ كنت أظنّه معجزةً يستحيل حدوثها في هذا المطعم…

 

  • هل تحب “مرقة اللّوبيا” إلى هذه الدّرجة؟
  • الحقيقة لا أحبّها كثيرًا
  • إذن لماذا كلّ هذا النهم رغم قلة لذتها، أو بالأحرى قلة جودتها؟
  • هل عشت في مبيتات مدرسية؟
  • الحقيقة كنت أسكن وسط المدينة، والمعهد مجاور للبيت ولم أكن مضطرّا للسّكن بالمبيت المدرسي.
  • أنا قضيت سبع سنوات في المبيت المدرسي، أنا أسكن الرّيف والمعهد بعيد جدّا.
  • وما دخل المبيت المدرسي في “مرقة اللّوبيا”؟
  • لو أكلت “مرقة اللّوبيا ” في المبيت المدرسي لمدّة سبع سنوات لعلمت أن “مرقة اللّوبيا” التي أمامك، والتي لم تذق منها شيئًا تعدّ طبقا ملكيّا بالنّسبة إلي.
يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet