عنـدما حللت بعالمـكم…

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

بقلم: عبيــر غــزواني

 

عندما حللت بعالمكم كنت أحسب العالم عرضًا أوبيراليا تجلس النّاس فيه بأناقتها ورقيّ ذوقها للمتابعة والاستمتاع، ويكتفي من هم على الرّكح كل وآلته الموسيقية بعزف النوتات المكتوبة أمامه على سلّم محدّد السّطور والأبعاد بين أشكال سوداء وبيضاء. مفتاح واحد للصول وسنفونية واحدة متجانسة، لا يشوبها نشاز،حتى صولوهات العزف المنفرد تكون مساحةً تسكت فيها بعض الآلات وتنقص أصواتها احترامًا.

 

يذوب العازف في آلته وينفخ فيها من روحه لتنطق عنه، بأجزائها الأربع تجوب السّنفونية الأربع فصول، وتعطي هذا العالم المتغيّر، سنة أخرى تسمى حياة. كنت أظنّ أنّ السنفونية عندما يقودها المايسترو قدر، لا يمكن إلاّ أن تحرز على تصفيق واستمتاع الحضور؛ إما إعجابًا أو تشجيعًا، أو حتّى شكرًا على مؤانسة راقية.

 

العالم ليس بهذه الأوتوبيا وهذه المثالية الأفلاطونيّة، وجدت العالم كمدينة ملاه ضخمة تمتزج فيه صرخات الرّعب من الارتفاعات والألعاب الخطرة، مع ضحك الأطفال في ألعابهم وقفزهم. وجدت أصواتًا تنادي على طفل تائه بلوعة، تختلط بأصوات من يمدح بضاعة.

 

وجدت من يزاحم الصفوف للحصول على تذكرة من الدّرجة المميزة، ووجدت من يراقب من بعيد كمدًا لعبة أعجبته ولا يملك ثمنها. وجدت أطفالاً يصطحبون آباءهم.  ووجدت أطفالاً يبيعون المناديل الورقيّة لأنّهم فقدوا في الدنيا صحبةَ آبائهم. تختلط الموسيقات بالصّرخات، وتختلط الألوان بالأضواء، وتختلط علي الأمور لأنكمش داخلي، فلا أجد سوى أصوات لعقل يريد أن يفهم. يفسد عليه تأمّلاته قلب يقول لي استمتعي، ألم تتمنّي العودة للحياة، عيشي, وتظهر أصوات أخرى لأناس مرّوا، ولكلمات ووعود وضحكات، وتطفو فوق الكلّ كلمات أوجعتني وآلمتني وأهانتني.

 

لقد بالغت حين رسمت لوحة فنيّة على طريقة دافنشي، لأجد أن المتحف مخصص للوحات سريالية، لمَ كل هذه الفوضى؟ أذكر أن صوتا داخلي قال لي يومًا: لا تتعاملي مع العالم كمعادلة رياضية  وجب فكّها وفهم قواعد حلّها وتحليلها.

 

وجدت نفسي أتقدّم نحو حلبة رقص وأرقص على وقع أحلامي وعلى وقع نبضات قلبي. كنت كطفل يقوم بخطواته الأولى، سقطت وقمت واجتهدت في المحافظة على توازني وواصلت الرّقص لاكتشف أن من حولي ينظرون لي كبلهاء. للأسف هم لا يسمعون الموسيقى داخلي، بدت لهم حركاتي مضحكة، تدعو للسّخرية.

 

كلمة عالم ضيقة جدّا، نحن نعيش في عوالم، لكل مجرّته، وكوكبه، لكن ما دمتُ أشاهد النّجوم رغم بعدها وصغر حجمها، فالبصر بخير والبصيرة أيضًا مادامت تخبرني أنّ الغيوم لا تحجبها، ولا يمنعها صغرها من إضفاء لمعان احتفاليّ يخرج السّماء من نقابها الأسود الحزين الفضفاض.

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

1 فكرة عن “عنـدما حللت بعالمـكم…”

  1. شكرا الأخت عبير على هذه الخاطرة الجميلة تصوير لواقع الحياة كما ه تصورتها وكما فاجأتها الحياة لعب ولهو وزينة تجمع ما لا يجمع ولها يسند كل ما لا يعقل ولا تكون الحياة حياة إلا غذا اجتمع فيها الحلو والمر وامتزج فيها الضحك بالبكاء هي كالمهزلة او هي ماساة او لاتكون أشجعك على الكتابة بداية طيبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet