قراءة في رواية “هي والشّيطان” للكاتبة التّونسية هذباء الغويلي

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

 بقلم: الأميـن الكحلاوي

هي رواية تتناول علاقة الرّجل بالمرأة من وجهة نظر الكاتبة، وقد استقرأت في ذلك عديد التجارب، ولكن بشكل انتقائي  لتقرّر أن هذه العلاقة قائمة أساسًا على مبدأ الإغواء والإغراء، خالية من كل بعد إنسانيّ ومن كلّ طهر وبراءة. فالرجل في نظرها صورة من صور الشّيطان أو هو تقمص  دور الشيطان.

 

انطلاقًا من العنوان جمعت الكاتبة بين متنافرين طبيعة وطباعًا، مصيرًا ومآلاً، وهو جمع مريب وغريب لعلّ الرواية تكشف أسراره. وما إن نلج عالم الكاتبة في أعماق الرواية  حتّى تبوح بحقيقة العنصرين اللّذين جمعت بينهما في العنوان بالواو، فنكتشف أن الشيطان ليس من الجنّ، وإنّما هو الرّجل فتزداد حيرة القارئ، إنه الرجل يتشكّل في زيّ شيطان فيعبث بروح الأنثى وجسدها معًا.

وقد غلب على الرواية طابع التشاؤم، فكلّ التّجارب التي خاضتها النّسوة مع الرجال أو  أزواجهن لم تكن موفقّةً، بل انتهت كلّها إلى نهايات مأسويّة، ولم تظهر لنا الرّجل إلا في صورة ذلك الكائن المتوحّش، قرين الشّيطان ليس له من همّ سوى إشباع نهم الغريزة الجنسيّة إذ تقول في ص 167 “كالكلب اللاّهث خلف قطعة لحم محرّمة”. وما أكثر النّماذج التي عرضتها الكاتبة  شأن ربيعة العكرمي التّونسية، ومهجة محمد أنور وشمس عبد الغفار وعائشة وشذى، وهن لسن من بلد واحدٍ، بل نماذج  من المجتمع العربي. وقد تشابهت أوضاعهنّ. أما الشياطين أمثال فهد وسلطان وأمجد وغيرهم فهم أسماء على غير مسمّى، يظهرون ما لا يضمرون، خبروا المناورة والاحتيال والكذب والخداع ليس لهم من همّ سوى صيد الفريسة “كلهم يحومون حول الثّمار المحرّمة” ص 168، فأفرغت الرّاوية الرّجل الزّوج من إنسانيته وعقله وحوّلته إلى كائن شبيه بالشوّاذ، عليه أن يعرض  نفسه أمام طبيب نفسي ليعود إلى حالته السّوية. وهذا التعميم يفتقد إلى الموضوعيّة، ومن جهة أخرى تعاطفت الكاتبة مع المرأة وأخرجتها مخرج الضّحية التي تجلب الإشفاق والعطف. فكلما بحثت المرأة عن السّعادة  إلا وقبر الرّجل أحلامها ووأد كلّ آمالها، فهي كالباحثة عن الحياة بين قبور الموتى، ولم تتحدث بعمق عن دور المرأة في الإغواء والإغراء كذلك.

 

بطلة الرّواية شذى ينتشر شذاها في ثنايا الرّواية كالملاك الطّاهر لم تقدر عليها مردة الشّياطين، ولم تستطع إغواءها، فهي تشرف على السّقوط ولكنها تنتصر في النّهاية، ولكن أي نصر هذا ؟ وعلى من حققت نصرها ؟هل على قرينها الشّيطان أم انتصرت على نفسها؟ انتصرت الرّاوية  للمرأة وأظهرت الرّجل في صورة المتنكّر وراء عناوين كثيرة كالثّروة أو الشّهادات العلمية أو المنصب او الوجاهة…وهو متخفّ في شكل ذئب بشريّ يترصد فريسته لينقض عليها في غير رحمةٍ، ولكن شذى ترفض الرّجل، وفي نفس الوقت تتألم من غيابه في حياتها، فهي لم تستطع بعض الأحيان حسم المعركة في داخلها، تتنازعها طبيعتها التي لا تخفى وتغالبها، فذلك جزء من حقيقتها كامرأة ومن جهة أخرى عقلها الفلسفيّ الذي يستهجن موقف الرّجل من المرأة كما عبرت عنه في الرّواية. فسرعان ما تنجذب إلى هواها فتقبل بأمجد على علاّته،  ولكنها في نفس الوقت ترفضه فنفته في الرّواية إلى بعيد.

 

حيرة واضطراب وصراع  تعيشه شذى مع نفسها، ولم تخرج منه إلاّ بالهروب إلى الأمام ما، عليها إلا أن تعترف بالحقيقة وتواجه هذا الواقع وتنصف الرّجل وتتخلى عن النظرة المتشائمة، فكما يوجد رجال شياطين فثمة رجال عظماء لم يحترفوا مجرد الإغواء والإغراء. وكما توجد نساء طاهرات عظيمات ثمّة كثيرات تفوّقن على الشّياطين بكيدهنّ وقتلن بغير قتال كما قال الشّاعر :

إن العيون التي في طرفها حور                          قتلننا ثم لم يحيينا قتلانا

 

شذى صورت النّصر وانتشت به حينما، تركت أمجد يتألم كما قالت  في الرّواية “غادرت المكان وتركته يتأوّه وجعًا ويتضوّر جوعًا لرغبة لم تكتمل”ص180. وقد تكون شذى بهروبها إلى عالم الموسيقى ونفيها لأمجد خارج حدود الوطن لم تلتئم جراحها بل ازدادت غورًا، فعالم الفنّ هو عالم الأحلام والخيال. وانطوت على نفسها تناجي أوتار الموسيقى وتهمس إلى نغماتها علّها تنسى أو تتناسى همومها. إنّه الفنّ في مواجهة الواقع ومآسيه فهل انتصرت؟ هذ ا هو السؤال المهم.

 

أما النّهاية فكانت مأسوية فعلاً، بل كلّ النهايات كانت مؤلمة، فحسمت شذى صراعها الدّاخلي بالموت المفاجئ أو الغياب المفاجئ، فتوفيت خالتها وتوفي أبوها وفرّ أمجد وتزوج بامرأة أخرى، ولم تبق من صورة جميلة نوعًا ما للرّجل سوى شخصيّة عبد الرّحمن الذي رفضته في الأوّل أو تجاهلته، وشكرته في نهاية الرّواية على ما قدمه من مساعدة رفقة حصة وربيعة.

وتبقى النّهاية غامضة، والانتصار مبهم، أليست المرأة هي كذلك النّصف الآخر؟ فإن لم يكن ملائكيّا كان  شيطانيّا؟

 

ملاحظــة: صدرت رواية “هي والشّيطان” عن الدّار العربية للعلوم ناشرون ، الطبعة الأولى 2015م

 

 

 

 

 

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

فكرتين عن“قراءة في رواية “هي والشّيطان” للكاتبة التّونسية هذباء الغويلي”

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    أولا أريد أن أشكر القائمين على هذا المنتدي وأرجو لكم التوفيق .
    ثانيا أريد أن أشكر الأستاذ الأمين الكحلاوي على هذه الدراسة القيمة. ثالثا أردت أن أشير إلى بعض القضايا التي غابت عن بعض الدارسين واختزلوا الرواية في طبيعة العلاقة بين المرأة والرجل ( الصياد والفريسة، الشهوة والجسد، المكر والمكيدة، الهيمنة والضعف، الخضوع والاستسلام ، الانتقام والتشفي…) في حين أن للرواية أبعادا متعددة ومختلفة باختلاف حضور كل شخصية وأفعالها وأقوالها. فالرواية تزخر بالأبعاد الاجتماعية والسياسية والوجودية والرومنسية والتربوية وحتى الفلسفية. وإن شاءالله سأقوم بنشر دراسة أبين فيها هذه الأبعاد في الرواية على هذا الموقع .
    مرة أخرى أشكرك أستاذ الأمين على هذا المجهود الطيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet