المدرسة الابتدائية بـــ”عين سلطان” مكانٌ للعلم مأوى للاّجئـــين

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

بقلــم: مصطفى الستيتي

تعدّ هذه المدرسة متحفًا يتعيّن زيارته والتأريخ له خاصة إذا عرفنا أنّ تأسيسها كان في عام 1945م، أي أثناء الحرب العالمية الثانية في عهد الاستعمار الفرنسي. ومازال البناء الأصلي نفسُه صامدًا حتّى اليوم مع بعض التغييرات والإضافات الأخرى، والشّيء المهم الذي يميز هذه المدرسة أنها كانت مكانًا لطلب العلم وقت السلّم ومأوى للفقراء واللاّجئين زمن ثورة الشّعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي الغاشم. وبعد غياب طويل عنها لأسباب كثيرة أمكنني الرّجوع إليها واسترجاع حشدٍ من الذّكريات البديعة التي لن تُمحى من الذاكــرة.

تأسست المدرسة عام 1945م

لقد كان شيئا رائعًا عندما زرت المدرســة الواقعة في منطقــة عين سلطان التابعة لمدينة غارلدماء، ولاية جندوبة على الحــدود التّونسية الجزائريـة. زرتـها بعد أكثر من ثلاثين عاما، وكانت الذّكريات تتزاحم في مخيلتي وأنا أتجوّل في ساحة المدرسة وأقسامها، وأنظر إلى جدرانها وأتأمل المكان الذي كنتُ أجلس فيه قبل أكثر من ثلاثة عقود مضت. استقبلتنا مديرة المدرسة السّيدة سميرة السّلطاني بكلّ حفاوة، وكانت مناسبة رائعة لكي نطّلع على معلومات مهمة جدّا حول المدرسة لم تُكتب حتّى اليوم، ولا تعرفُ عنها الأجيال الجديدة شيئا.

كانت مناسبة لنطّلع على أرشيف المدرسة ونعرف بالتّحديد تاريخ تأسيس المدرسة وأسماء تلاميذ أول قسم درس بها وأسماء المعلّمين والمديرين، كما تمكنا من جمع بعض الصّور يعودُ تاريخها إلى أكثر من 35 عاما لتلاميذ أصبح الكثير منهم الآن يحتل مواقع مختلفة في خدمة بلاده سواء كانوا معلّمين أو أساتذة أو مهندسين أو باحثين أو غير ذلك.

 

التأسيس والإدارة

تأسست المدرسة الابتدائية بعين سلطان في عام 1945م ، وفي العام الموالي أي عام 1946م بدأ التدريس بها. وعند الرّجوع إلى أرشيف المدرسة عرفنا أنّ أول مدير لهذه المدرسة كان الفرنسي سلاّ روبار Sella Robert والذي بقي في الإدارة لمدة سنتين فقط. ثم جاءت من بعده المديرة الفرنسية كذلك مدام مانيال Mme Maniel ، وقد أشرفت على إدارة المدرسة من سنة 1948 إلى سنة 1953م. ثم جاءت من بعدها مديرة فرنسية أخرى تدعى مدام جيز Mme Jeze وأدارت المدرسة لمدة سنتين. ومنذ عام 1954م انتقلت إدارة المدرسة إلى تونسيين، وكان أول من أدارها من التّونسيين السيد إبراهيم بن العبيدي، وكان ذلك خلال عامي 1954و 1955م. وفي عام الاستقلال أي 1956م آلت إدارة المدرسة الابتدائية بعين سلطان إلى السيد عبد الله السديري، ثم خلفه السّيد صالح الزّعق خلال العام الدراسي 1956-1957م. وخلال عامي 1958 -1960م كان السيد محمّد اللاّفي هو مدير المدرسة. وخلال السنوات اللاحقة كان المديرون على النحو التالي:

من اليمين: المديـر مصطفى القاسمي، المعلم إبراهيم الستيتي، المعلم حسن فرحات، المعلمة مليكة الزغدودي

-عبد المجيد حمدة: 1961-1962م
-صالح البوسليمي:1962-1963م
– نور الدين الأكحل: 1963-1964م
– محمد النفزي:1964-1966م
– أحمد المحرصية: 1966-1968م
– أحمد المناعي: 1968-1969م
– منصور بن عبيد: 1969-1970م
– علي العروسي الدخيلي: 1970-1971م
– محمد نور الدين السويح:1971-1972م
– محمد السديري: 1972-1973م
– محمد التونسي: 1973-1977م
– مصطفى القاسمي: 1977-1985م
– حسن المرسني: 1985-2005م
– سميرة السلطاني: 2004م –إلى الآن.

 

والملاحظ أنّه منذ عام 1954م انتقلت الإدارة إلى التّونسيّين، وربّما يفسّر ذلك بأن الاستعمار بدأ يستشعر قرب نهايته، بالإضافة إلى أنّه في هذا العام اندلعت ثورة التحرير في الجزائر، والجدير بالذّكر  أنّ منطقة عين سلطان توجد محاذية تمامًا للحدود الجزائرية. وخلال الثّورة انتقل إلى تونس عدد كبير من اللاجئين من الجزائر للإقامة في المناطق الحدوديّة، كما أنّ عدد المجاهدين القادمين من الجزائر كان كبيرًا. ونظرًا لكثرة هؤلاء اللاّجئين فقد اضطر عدد منهم للإقامة في المدرسة واتخاذها مقرّا لهم. ويبدو أنّ الفرنسيّين خشوا على أنفسهم من غضب الجزائريين فغادروا هذه المناطق بما في ذلك العاملين بالمدرسة في عين سلطان.

 

1946م: أوّل فصل بالمــدرسة

من الطريف جدّا أن نعرف اليوم قائمة التّلاميذ الذين درسوا في المدرسة الابتدائية بعين سلطان بشكل مفصّل، فحتى الذين درسوا بالمدرسة عند أول افتتاحها قد خانتهم الذاكرة فلا يذكر لك أحدهم إلاّ شخصًا أو شخصين ممّن رافقوه في الدّراسة. فالمسافة الزّمنية تتجاوز السّبعين عامًا. تصفحنا أرشيف المدرسة فوجدنا قائمة التلاميذ كاملة ودفتر المناداة شاهد على ذلك العام الأوّل الذي بدأت فيه المدرسة نشر التّعليم بالمنطقة. لاشكّ أنّه شيء مهم جدّا أن نصبح قادرين على كتابة تاريخ هذه المدرسة بشكل مفصل اعتمادًا على معلومات موثّقة.

الحــاج أحـمد بن عمــر الشعـابي ضمـن تلاميــذ أول فصـل درس بالمــدرسة.

في هذا العام 1946م كان عدد المسجلين 32 تلميذًا من الأولاد، ولا توجد بينهم بنت واحدة. ويبدو أن الأمر استمر على هذا النّحو حتى الاستقلال، ففي قائمة أخرى للتّلاميذ الذين درسوا عام 1954م أي قبل الاستقلال بعامين فقط لا نجد من بين 44 تلميذًا مسجّلين في المدرسة اسم بنت واحدة.

 

من بين قائمة التلاميذ الذين درسوا في مدرسة عين سلطان عام 1946م من وافاه الأجل وانتقل إلى جوار ربه، ومنهم من ما يزال حيا يرزق، وقد التقينا ببعضهم وحدثونا عن أجواء الدّراسة في تلك الفترة. بالطبع كان التعليم باللغة الفرنسية، وكانت الأولوية لأبناء الفرنسيين، لكن الذاكرة تحمل بعض الذكريات الطيبة عن المدرّسين، فيبدو أن معاملة المثقف لغيره أكثر تحضّرًا من معاملة الجاهل أو العسكري المحتلّ.

من الجدير بنا هنا ذكر بعض الأسماء من بين الأهالي الذين درسوا في المدرسة الابتدائية بعين سلطان؛ تحتوي القائمة الأولى كما ذكرت على 32 تلميذًا منهم: أحمد بن عمر الشّعابي وقد سُجّل اسمه في رأس القائمة، والشّادلي بن ساسي، العربي بن علي ، عبد الله بن صالح، لخضر بن رمضان وغيرهم. والذين درسوا في المدرسة كانوا يأتونها من مناطق مختلفة بعضها تبعد نحو 6 كلم من المدرسة، ومن بين هذه المناطق منطقة الخنقة ومنطقة كاف النّسور، ومنطقة مسّيوة، ومنطقة عين الزّانة، ومنطقة قبر زهير، ومنطقة الفايجة وغيرها.

 

أسماء لا تُنسـى بالمدرسة

قديما قيل “من علّمني حرفا صرتُ له عبدًا”، هذا المثل ينطبق تمامًا على عدد كبير ممن درسوا في المدرسة الابتدائية بعين سلطان, والعبودية هنا بمعنى الارتباط العاطفي الشّديد الذي يصل إلى حدّ اعتبار المعلّم أو المعلمة بمثابة الأب أو الأم، فضلهما لا يقدّر بثمن، فأغلب النجاحات ترجع إلى ما غرسه هؤلاء من معرفة وعلم في نفس الطفل. والأكيد أن كلّ تلميذ لديه ذكريات لا تُنسى مع من درّسه خصوصًا الذين كانوا صادقين في مهنتهم حريصين على صناعة تلميذ ناجح متفوق في الحياة العلمية والعمليّة.

هناك أسماء سوف تبقى محفورة في الذّاكرة، لا تمحى مع مرور الزّمن، فقد كان لوجودها في المدرسة تأثير كبير وبارز. ليس لدينا معلومات مفصلة عن المعلّمين الأوائل الذين درّسوا عند افتتاح المدرسة وحتى السّتينات، لكن انطلاقا من السبعينات هناك أسماء لامعة يذكرها كل تلميذ درس بهذه المدرسة، ومن بين هؤلاء على سبيل الذّكر لا الحصر: المدير مصطفى القاسمي رحمه الله الذي ظل مديرًا ومعلّما بالمدرسة لمدة ثمان سنوات، وكذلك المعلمون القديرون إبراهيم الستيتي وصالح بن الحاج، وحسن المرسني وحسن فرحات، والمعلّمة المتميزة مليكة الزغدودي التي كانت أوّل امرأة تونسيّة تزاول مهنة التّدريس في مدرسة عين سلطان بعد الاستقلال، وكذلك المدرّسة والمديرة المتميّزة سميرة السّلطاني التي تولت إدارة المدرسة منذ عام 2004م وهي كذلك أول امرأة تونسية تتولى إدارتها منذ إنشائها.

تلاميذ الفصـل الذي درس فيه كاتب هذا المقال. في أقصى اليمين المعلمة مليـكة الزغـــدودي، وفي أقصى اليسار المديـــر مصطفى القاســمي رحـــمه الله.

الحديث عن المدرسة الابتدائية بعين سلطان ذو شجون فعلاً، فقد درست فيها وعايشت أجواءها منذ أواخر السّبعينات، وظلت ذكرياتي مع المعلمين والتلاميذ متألّقة حتى اليوم. الحديث عن المدرسة لا يمكن أن يكون مجردًا، بل هو خليط من مشاعر وذكريات لا تُمحى من الذاكرة. وكم كانت سعادتي كبيرة عندما تمكنت من العثور على رقم هاتف معلّمتي مليكة الزّغدودي التي درستني سنوات الابتدائي كاملة انطلاقا من عام 1977م. اتّصلت بها لأول مرة بعد نحو ثلاثين عامًا، وذكّرتها أنّني تلميذها السّابق فتذكّرت. كنتُ أكلمها ويَغمرني إحساسٌ بأنّني مازلت تلميذًا لديها. كثير من الفضل بعد الله يَرجع إليها فلها الشّكر بعد شكر اللّه تعالى.

 

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet