صاحب السّتــرة الصّفـراء

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

بقلم: نجــاة فقيـري

 

كانَ المطرُ يَرتطم بالزّجاج وبِسقفِ السّيارة فيُحدث نغمًا جميلاً داخل قلبهِ، وذكريات كثيرة كثيرة مع المطر وزخّاته. فجأة أوقف سيّارتَه بقوّة حتّى شعر باهتزازها، لقد كاد يَصدم شابّا عشرينيًّا يرتدي سترةً صفراء خفيفة لا تَقيه البرد، ويضع كرّاسًا على رأسه تقيه الأمطار وما تقيه. اِبتسم وقال محدّثا نفسه: لا بدّ أنّه طالب حالم.

فجأةً اِستيقظ من شُروده على صوت زمِيله السّاخر:

  • يا صَاحب السّترة الصّفراء، يَا صاحب السّترة الصفراء أَعرنِي قلمًا.
    التفَت إليه مبتسمًا وأعاره القَلم.

طالِبٌ يافع قادم من رُبوع بعيدةٍ عن العَاصمة محمل بآمال وأحلام كثيرة. صاحب السّترة الصفراء، سترته اِشترتهَا له والِدتُه بمناسبة نجاحه ودُخوله الجَامعة. سُترة رَافقته أربعةَ أشهر. السّترة والسّروال الأسود، يَغسلهُما مرّة في الشّهر ويُواصلان الرّحلة عَلى جَسده النّحيل اليَافع الحالم.

صاحب السّترة الصّفراء، لقب يُردّده الكثير من أصدِقائه وزُملائه، لقب يُؤلمه أحيانًا ويشجّعه أحيانًا كَثيرة. يتمنّى كثيرًا لو كان له لباس جَميل كهؤلاء البرجوازيّين الّذين يرتادُون الجامِعة بسَيّاراتهم الفَاخرة ويتكلّمون بلكنةٍ فاخرةٍ.

هو سَعيد و لا مُبال، فبعد أسبوع سَيُصرف له قسطان من المنحة الجامعيّة، سَيشتري سُترتين وسروالاً وحذاءً جديدًا. ضمّ حلمه ونام باكرًا بفرح غامرٍ.

 

اِستيقظ مرعوبًا على صوت الأمطار يَقرع السّقف بعنفٍ، أسرع إلى الشّرفة كالمصعُوق، لقد تبلل سِرواله تمامًا. اليوم امتحانٌ ولا بدّ من الذّهاب إلى الجامِعة بسِرواله المبلّل، ستشتدّ سُخرية الجمِيع.

شعر بالأسَى واختنقَت العَبرة بين جفُونه، لكنّه لبس سرواله وسُترته وقرّر قطع نصف المسافة إلى جامِعته راجلاً حتى تبتلّ سترته وباقي ملابِسِه كي لا يتعرّض لسُخرية الجَميع.

دَخل قَاعة الامتحانِ، سَأله الأستاذ:

  • لماذَا أنتَ مبللٌ بالكَامل يا بني؟

أجَابه بثقة:

  • لقد فَاتتني الحَافلة فاضطررتُ للمجيء راجلاً كي لا أُفوّت الامتحان.

عادَ مساءًا متعبًا مرهقًا تفتك الحمّى برأسِه وتهزّ الرّعشةُ جَسده هزًّا. نَزع ملابِسه، اِندسّ داخل الفِراش الدّافئ وغطّ فِي نوم عميقٍ متوسدًا أحلاَمه.

فجأةً اِرتفعت زَمامير السّيارات، اِستيقظ من شُرودِه. الضّوء الأخضر يرفّ، اِبتسمَ وانطلَق.

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet