فرنسي يصف الفايجة وعين سلطان عام 1912م 

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

تعريب: نورالدّين خروف

 

على الضفّة اليسرى من وادي البركة، تمتد خمائل الأشجار الباسقة تربطها بوادي بغلة، ويتواصل امتدادها إلى قمّة جبل الغرة ( 1202 م) حيث تزداد كثافتها لتكسي المنطقة بوشاحٍ خلاّبٍ يسر الناظرين. وممّا زادها بهاءًا انسيابُ شلاّلاتها، فيُسمع لها خريرٌ منتظمُ الأصوات وسط التفافها بنبات القصب والسّرخس؛ كلّ هذه المكونات الطبيعيّة النّادِرة يُرشّح المنطقة لتعتلي الرّيادة بالشّمال التّونسي. ومن وادي السّوفي نتّجه صوب ينابيع العُيون ذات المياه الزّلالة والمزوّدة لبلدة غارالدّماء الرّابضة تحت سفح جبل ورغة.

 

الفايجـــة

أعلى هذه الأماكن، بها ثنايا غابيّة تلفّها من الجهتين أشجارٌ جذوعها ضخمةُ المنبت، تعلوها أفنان مُتشابكة تكاد تحجُب زرقة السّماء. وسط الغابة، وأنت تسير تلُوح لكَ عن قربٍ قريةٌ ريفيٌّة، يميّزها بناء متواضع لحارس الغَابة، إقامَة متواضعةُ المَبنى تضلّ أغلب الأوقاتِ موصَدةَ البابِ والنّوافِذ. تمتاز الفايجة بطقس شديدِ البُرودة في فصل الشّتاء جرّاء هُطول الأمطار وسُقوط الثّلوج  الكثيفة أحيانًا.

وحتّى في ذروة فصل الصَّيف ترى مُروجَها يانعةً خضرَاء. في هذه الرّبوع الخلاّبة لا تنقصها إلا خرجاتٌ جماعيّة للاستِجمام والتّنزّه، وحتّى إلى خرجات قَنصِ الخَنازير المُتكاثرة بهذه الغابات المتراميَة. ويشمل القنص الفُهود والضّباع التي اشتكى من خُطورتها وشرَاستها الأهالِي. ويُحجر صيد الأيل البربريّ المُتواجِدة قطعانه غير بعيد عن هذه المنطقة، إلاّ أنّ الأهالي، وبسقوط الثّلوج يُخالفون التّعاليم، ويخرجون خِلسةً لصيد الأيل.

 

منذ 15 سنة خلت صادفني بغار الدّماء سكانٌ من أرياف المُرتفعات يَحملون فرو أسدٍ ضَخمٍ وقع في شِراكهم حديثًا، ومن تلك الحقبة الزّمنية لم أصَادف صيدًا آخر من هذا الصّنف. مديريّة الغابات قامت بمشروع لا يُستهان به بشقّ وتهيئة الطّرق الغابيّة في عدّة جهات لتسهيل عمليّة المُرور بواسطة العربات التقليديّة بعد إزالة الحجارة التي كانت المانع لسير العربات، وكذلك فكّ العزلة عن المناطق الجبليّة الخَلاّبة.

 

قرب الفايجة،جولة إلى كاف النّقشة 

على مسافة 500 م من مركز الغَابات تقبع صخرةٌ ضخمةٌ على منحدر صعبِ المَسلك، ثابتة كقلعة، وفي أعلاها تمتّع عينيك بمناظر بديعةٍ. الحَارس العام للغابات السّيد بوتيلي (Boutily) بادر إلى القيام بنقشٍ على الصّخرة كمُدرّجات أو سلّم لتسهيل الصّعود والتسلّق بكلّ حرّية للوصول إلى القمّة من دون عناءٍ ومشقّةٍ، ثم أنهى عمَله بتثبيت مَوانع الأمان. ومن قمة الصّخرة نستطيع النّزول من الجانب الآخر إلى وادي الشّهيد والرّجوع إلى الفايجة عبر طريق غار الدّماء، والتي تبعد على وادي الشّهيد بنحو 3 كلم.

 

نزهة على صهوة جواد

باستطاعة المرء أن يوفّر يومًا كاملاً للنّزهة(35كلم) أو شطري يوم[1]  لزيارة أروع الأماكن انطلاقًا من الفائجة، عين سلطان[2] عبر طريق للعربات، وأنت على صهوة الحصان تصادفك عدّة منحدرات، ثمّ الصّعود ثانية للوصول إلى إحدى هذه القمم الباهرة. ومن أعلى قمة تُريعك المناظر الخلاّبة لغابات الفايجة وأعالي وادي مجردة، وادي السّوفي، منطقة الفجيّج، وادي المرمل، وتقاطع الأربعة طرق، وادي إيروغ، مركز الغابات بالمواجن، البطحة، والفايجة.  وإذا أردت أن تتمتّع بالنّزهة لنصف يومين، عليك بالانطلاق من الفايجة عبر غابة الزّان لأم الدّيس والأربع طرق، أو باختيارك الاتّجاه من الفايجة عبر الشّهيّد لبلوغ قمة الغرّة عبر عين سلطان وخط الأربع طرق.

 

الهوامــــش:

[1] ننبه كلّ من أراد برمجة الخرجات من الفايجة أن يقتني أو يؤجر الجواد من بلدة غار الدّماء.

[2] من عين سلطان تستطيع عبور المُنحدرات للاتّجاه صوب وادي بغلة، ومنه إلى حمّام سيدي طراد بالتّراب الجزائري، ولكن بحكم قربها من الحُدود تبعد عن غاردماء حوالي ثلاث ساعات ونصف سيرا. منطقة سيدي طراد منطقة جبلية بامتياز تحيط بها الجبال من كلّ الجهات، دروبها وعرة لوجود قمم صخرية عالية. ووسط هذه التّضاريس الوعرة مياه شديدة الحرارة تبلغ 90 درجة مئويّة.

 

المصـــدر:
لويس كارتون، LE NORD OUEST DE LA TUNISIE, تاريخ نشر الكتاب 1912، دليل مصوّر، صدر تحت رعاية لجنة المبادرة بالشّمال الغربي التّونسي في سوق الأربعاء، ص. 31-32.

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet