سياسي تونسي يدفع حياته ثمنًا لمعارضته الاتحادّيين الأتراك

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

 قتل محمود شَوكت باشا ومأساة صَالح باشا صِهر السّلطان
عربه من التركية: مصطفى الستيتي

 

قبل 40 سنة كتَب والي اسطنبول الأسبق والمؤرخ سليمان كاني إرْتَم مقالةً بسط فيها جُملة من الحَقائق تتعلّق بمرحلة المشروطيّة الثّانية . وقد تحدّث في المقالة عن العَاصفة التي ثارت بسبب صهر السّلطان، ذلك الرّجل الأنيق التّابع للقَصر والذي كان من بين الذين أُعدموا على إثر قَتل وزير الحربيّة في ذلك الوقت محمود شوكت باشا بساحة بَايزيد.

وصالح باشا هو زوج منيرة سُلطان ابنة الشّهزادة كمال الدّين، بيد أنّ ذلك لم يَشفع له ولم يَستطع السّلطان إنقاذه. كما أن الجهود التي بذَلتها الحُكومة الفرنسيّة في هذا الشأن لكونه ابن خَير الدّين باشا التّونسي باءت بالفَشل.

حسنا، من هو صالح باشا صِهر السّلطان هذا ؟ وما هي تهمته بالنّظر إلى قساوة العُقوبة في حقّه؟ ولماذا رَفض السّلطان في البداية التّوقيع على عقوبة الإعدام، وما هي الضّغوط التي مُورست عليه لكي تجبره على التّوقيع في النّهاية؟ هل كان بريئًا أم ماذا؟ هل كان تنفيذُ الحكم هدفه إعطاء انطباع من قبل السلطة الحَاكمة آنذاك بأنّ القانون يسري على الجميع دون استثناء؟

ما باليد حيلة

ما كتبه المرحوم سليمان كاني إرتم يقوي هذا الاحتمال الأخير. يقول: ” إن حكومة الاتحاد الترقي أظهرت التشدد لكي تمنع المنتسبين إلى عائلة السلطان من الوقوف في وجه عواصف السياسة، وقد أجرى السلطان مشاورات كثيرة مع الصدر الأعظم الجديد سعيد حليم باشا ووزير الداخلية طلعت بك (باشا في ما بعد)، وقد كانت الحكومة مصرة على تنفيذ قرار ديوان الحرب، أما السلطان فقد بقي مترددًا. وقد طلب أنور باشا من السلطان التصديق على قرار ديوان الحرب فرد السلطان رشاد بالقول:

– ابني، أنا أعرف جيدا صالح باشا، وما يُنسب له لا يقبله العقل.
وعندما لاحظ أنور باشا أن السلطان استنكف عن التصديق على قرار إعدام الصهر صالح باشا، تناول القلم وغمسه في الحبر بحركة شديدة ومده للسلطان وخاطبه بلغة صارمة قائلا:

– سيدي، طبعا أنت حر في أن تشطب اسم الصهر صالح باشا من بين المحكومين بالإعدام، لكن في حالة شطب هذا الاسم فإنك سوف تكون مجبرا على التصديق على قرار آخر يقضي بإزاحة الأمير وحيد الدين من السلطنة والحكم عليه بالإعدام.

لابد من التضحية سواء كان صهرا أو ولي عهد لم يرد السلطان رشاد تضخيم المسألة أكثر، ولاحظ أنه ليس من الصواب إضاعة مزيد من الوقت، فطأطأ رأسه ووقع على الحكم وهو في غاية التأثر.

اجتماعات الأحزاب

كان صالح باشا ضمن من عارضوا الاتحاد والترقي في ذلك العهد، واعتبرت العقوبة التي نالها خفيفة بالنظر إلى الرغبة في تطبيق عقوبة الإعدام عليه، بيد أن ناظر (وزير) العدلية في تلك الفترة إبراهيم بك دافع بالقول :”هذا أمر لا يمكن قبوله، ولا يوجد سبب قانوني لعرض من تم الحكم عليهم على ديوان الحرب من جديد”.

ويقول أحمد بدوي كوران الذي كان من بين الناجين( İnkilap Tarihi ve Jön Türkler, Ahmed Bedevi p. 822.) “لقد تعاونت مع الذين كانوا يسعون للإطاحة بالاتحاديين. بيد أنه ومثل ما كان الشأن دوما كانت هناك نقاط اختلاف بين الجماعات في هذه المرة كذلك، وقد برزت منذ البداية. فمن جانب كان كومولجينالي إسماعيل بك، ومن جانب آخر كان ضمن من تم إقحامهم في الميدان صادق بك و صالح باشا، وتم ربط علاقات بين مختلف الجماعات، وانطلقت الاجتماعات السرية. وكان في ضمن من وقت مع الأمير صباح الدين بك الدكتور نهاد رشاد وصفوت لطفي بك، وكان لهما دور محوري. وكان كومولجينالي إسماعيل بك يتحرك مع كل من محب و برتاف وتوفيق وتاج الدين زاده حقي. أما صادق بك وصالح باشا فقد كانا ينشطان ضمن جماعة “الائتلاف”. وكان هؤلاء جميعا يقومون بجملة من النشاطات؛ فمنهم من كان يشن حملة معادية للاتحاد والترقي، ومنهم من كان يسعى لكسب مزيد من الأنصار إلى جانبه. غير أنهم جميعا كانوا بعيدين تماما عن برنامج يوحدهم وهيئة تقودهم بشكل منظم. كانت تحركاتهم عبارة عن موجة حماس فوضوية بلا قيادة ولا رأس مما جعلها في خطر، وقد يُصار بأصحابها إلى الموت”.

دعوة من جمال باشا

على إثر مقتل محمود شكوت باشا عقدت على جناح السرعة جلسة لديوان الحرب برئاسة البكباشي رمزي بك، وكان اسم صالح باشا ضمن قائمة الأسماء التي صدر بحقها قرار الإعدام. كان صالح باشا لا ينظر بعين الجدية لما يخطط له أو لم يكن يوليه الاهتمام المطلوب. في ذلك الوقت كان جمال بك محافظ استانبول، وعند التأمل في الحوار الذي دار بينهما في مبنى المحافظة يتبين أن لا علاقة حقيقية لصالح باشا بالأحداث. كان الوضع على النحو التالي: اتصل جمال باشا بالمتهمين وذكر أنه استلم تقارير بخصوصهم منذ وقت سابق، وقال إنه ورد في تقرير مهم “أن الصهر صالح باشا على رأس هذا الأمر” ذكر جمال باشا ذلك في مذكراته وواصل قائلا”:

يقول جمال باشا في مذكراته: ” أعرف أن الداماد (الصهر) صالح باشا كان من أعضاء فرقة “الحرية والائتلاف”، وكنت لا أتوقع أن تكون له يد في مثل هذه الجريمة، ثم إن له علاقة بالقصر السلطاني. ومهما يكن من أمر فقد كان شغلي الشاغل أن يتم إنقاذه ومنعه من التواصل مع مجموعته. ولهذا السبب أرسلت له أحد معاوني المحافظ وطلبت منه أن يقابلني في مقر المحافظة. وبالفعل حضر في الوقت المحدد، وبعد استقباله بما يليق من الاحترام قلت له:
– حضرة الباشا أستأذنك في مخاطبتك ببعض الكلام بلغة صريحة. نظرا لكونك صهرا للقصر، وبالنظر إلى الأهمية المادية والمعنوية التي يتميز بها شخصك فإنني أعتقد أن ثمة أشخاصا يقومون ببعض الأعمال مستغلين اسمك. فقد تأسست جمعية سرية برئاستك ويتم التخطيط لاغتيال الكثير من أعضاء الحكومة الحالية في القريب العاجل وإعلان الثورة. وأعضاؤها يسعون جاهدين لكسب مؤيدين لهم من المدنيين والعسكريين.

(للمقالة بقية)

المصدر: علي فؤاد توركلدي، ما رأيته وسمعته، ص. 103.

 

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet