المقامة الجرذية

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

بقلم: إبراهيم بوعزي

رجعت إلى البيت بعد منتصف الليل، بعد يوم مليء بمشقات العمل، فنمت نوم أهل القبور، ولم أستفق للصلاة ولا للفطور، وعندما نفخ المؤذن في الصور، قامت القيامة وأهوالها، واهتزت الأرض وأخرجت أثقالها، فقمت من منامي مذعورا غير مستريح، وزوجتي ترتجف وتصيح، وأذان الظهر يعلو بصوت فصيح، فأيقنت أنني قائم من النوم لا من الممات، وأن العمر مازال فيه فرصة وما فات، فسألت الزوجة عن الخطب الجلل، وعما أصابها من خلل أو من خبل.

فحدثتني عن وحش هصور، في مطبخنا يتبختر ويدور، وجهه كالأسد وذيله كالحصان، أنيابه كالسيوف وفمه كالبركان، تتطاير منه الحمم والنيران، فأصابني الرعب من حديثها المهول، واستحلفتها أن تذكر لي اسم هذا الغول، فقالت لي إنه جرذ خطير، يأكل المؤونة بنهم كبير، وأخشى أن ينهشني بأنيابه الدقيقة، فتبقى أرملاً بلا رفيقة. وحلفت أن تلك هي الحقيقة، وسرّ خوفها ليس من الجرذ الذي هاجمها، ولكن من احتمال زواجي بعدها، فأقسمت أنني لست لها مبدلا، ولو قضى عليها الجرذ اليوم أو مستقبلا.

ثم وثبت كالنمر من سريري، ممتشقاً مكنسةً بجانب الحصير، وركضت نحو المطبخ مهللا مكبرا، للانتقام من عدو زوجتي مزمجرا، فأحكمت غلق كل كوّةٍ في الغرفة، قبل انطلاق الغزوة المشرفة، والبابَ والنوافذَ أقفلتها، ثم شرعت في تفتيش الأدراج، محاذراً من كسر الأطباق والزجاج، فرأيت دويبة أكبر من الفأر بقليل، لونها إلى الأسود يميل، بطنها كبير وذيلها طويل، فألقيت فوقه قطعة من الخشب، فهب نحو حفرة المجاري كي يلوذ بالهرب، لكنني كنت قد أغلقت ذاك الثقب، فاحتار صاحبي في الأمر واضطرب، فانهلت عليه بالركل حينها والضرب، حتى أصبته في رجله الخلفية اليمنى بالعصا، فقلت له إن العصا لمن عصا.

فقال لي ما ذنبي يا ابن آدم العنيف، أهكذا تعاملون ضيفكم الضعيف، فقلت إني لست لأمثالك بمستضيف، إنما دخلتَ بيتي دون دعوة أو موعد، وبتَّ لعيالي وأمهم تخيف وتهدد، خذ هذه أيها الجرذ الأسود، وما رميتُ إذ رميت لكن الله سدد، فطاح يرجف على البلاط قد تمدد، فكِلت له بالعصا ثلاث أو أربع ضربات، إلى أن أسلم روحه الطاهرة ومات، فرفعت عقيرتي مهللا الله أكبر، لقد قتلت هذا الفاسق ابن الفأر، ثم فتحت الباب كي تراني زوجتي، وتشهد على انتصاري في غزوتي، فقالت لي يا بطلي المسكين، ليتك تفعلها مع الذين يحتلون فلسطين…

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

3 أفكار عن “المقامة الجرذية”

    1. صديقي إبراهيم لقد أعدتنا بهذه المقامة إلى جنس أدبي مميز في تاريخ الأدب العربي فرغم ما فيه من إبداع فإن كتابنا أهملوه ولم يواصلوا الكتابة فيه فشكرا لك لأنك أعدت الاعتبار بهذه المحاولة الجادة إلى هذا الجنس الأدبي الطريف بأحداثه الواقعية الفكاهية الهزلية فما أحوجنا اليوم إلى مثل هذه الكتابة الهزلية الفكاهية التي تحقق للقارئ المتعة والإفادة

اترك رداً على الأمين الكحلاوي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet