حــول كِتــاب “شُروط النّهضَة” لمالك بن نبي

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

بقلــم: الأمين الكحلاوي

كانَ دافــــع هذا المفكّــــر لكتابــة مؤلفه عَامــــلان، تاريخيّ يتمثّل فـــي الوضع الاستعـــاري الّذي تعيشُــــه بـــلاده، وذاتــــي ينبــــع من مسؤوليّة المثقـــف تجـــاه مُجتمعه وأمّتـــه. ولقد نقـــد مالك بن نبـــي الطّرق السّائـــدة في معالجة قضية النّهضـــة أو التّحــــرر مُعتبـــرًا أنّ تاريخ المسلمـــين تاريــــخ بُطولات فــــرديّة ومُبادرات ذاتـــيّة لا تَــــرقى إلى مستوى البنـــاء الحَضــــاري.

وكانت المعالـــجات مُجتـــزَأةً تنظــــر إلى المَـــرض من الخـــارج باحثـــة عــن الـــــدّواء لمُعالجة الأعــــراض لا جَــــوهر الــــدّاء. فيــــرى أن النّاس بَحثــــوا عن الحلــــول إمّا بالتــــوجه إلى الزّوايا طلبًا للمُعــــجزات والكَــــرامات من الشّيـــخ أو القطـــب الصّوفي، أي من خــــارج الذّات. وإمّا يطلبـــون ذلك عن طــــريق صَناديق الاقتــــراع انخراطًا في اللّعــبة السّياسيــــة لتغييـــــر الـــــوَاقع.

وقد وقــــع أكثر السّياسيين في إغــــــراءات السّياسة، وابتعـــــدوا عن الهـــــدف الحقيقيّ. وفي كلا الحَالتين فالمُــــجتمع يبحث عن الحلول خَــــارج الذات. وهذا مناف لسنّة الّتغيـــير الحَضاري فقــــد قال الله تعالى “إنّ الله لا يغيـّــر ما بقـــومٍ حتّـــى يُغيّــــروا مَا بِأنفُسهم”. فالتّغييـــر ينبــــع مـــن الذّات لا من خَارجـــها. لـــذلك اقتـــرح بديـــلاً حضاريّا للتّغيـــير اِستفاده من نظـــريّة ابن خلدُون ومفهــــومه للتّـــداول الـــذي يَطــــرأ علــى الدّولة نشـــأة وَرقياّ وانحدارًا.

وهـــذا البَديـــل مُناف للبَـــديل الأوّل الذي يَــرى أنّ التّغيير يَبــدأ من خلال المُطالبة بِالحُقــوق الّتي عنــد الآخـــر، سَـواء كان شيخًا صوفيّا أو مُرشّحا سياسـيّا. وقــد شخّص مالـــك بن نبيّ الوضــع فرَأى أنّنا كالطّــبيب إزاء المَريض، ولِمُعالجته لابــدّ من تَشخيص المــرض بكلّ دقة، وكلّ مَـرض لــه جـــوهر وله أعـــراض، ولذلــك فالمُعالجة تَستدعي منّا وضعَ الجَزائر المُستعمرة فـــي سِياقها التّاريخي وأن ننــــظر إلَى المَسألة مـــن منــظورٍ حضاريّ. فكيف يمكن أن يتحــرّر الجَزائريّ؟ وكيف يمكن أن ينهض الإنسان العربي والمُسلم؟

ولتحقيق ذلك لابــــدّ من إقنـــاعه بأمـــــرين: الأمـــر الأوّل هــــو إقناعُه بالقيام بواجــبِه: غيّر نَفســـك تغيــّر التّاريخ. والأمــــر الثّاني لابــدّ أن تكون الفكـــرة الدّينية هي محـــور التّغيير، فالدّيـــن مكوّن أساسيّ، ولما أصبنا بنكســـةٍ حضاريّة ودينيّة صِـــرنا نَعيش نكسة نفسيّة تتمثل فـــي قابليّة الفــــرد والأمّة للاستعمــار، وهو يقول فـــي هذا السّياق في كتابه شّروط النّهضة” الحقّ ليس هديّــة تُعطى، ولا غنيمـــةً تُغتصب إنّما هــــو نتيجة حتميّة للقيامِ بالـــــوَاجب”.

غيـّــر نفسك تغيّـــر التّاريخ، فالمشكلة هي مشكلة الإنسان وهــي مُشكلة نفسيّـــة. والذي يغيــّر التّاريخ والـــواقع هـــو الإنسان. ولبناء حضارة يـــــرى مَالك بن نبي أنّه لابدّ من الاهتمام بثلاثة عَناصر هي: التّــــراب+الــــوقت+الإنــسان، والّذي يــــركب هذه الأجـــزّاء هو الـــدّين، والمحـــوري في هذه الثلاثيـّــة هو الإنســان، فإذا لم يكـــن متشبّعا بالقيـــم الرّوحية فلـــن يُؤثر في الوقـــت، ولا يُمكــن أن يحســن استغـــلال التّراب= الثـّــروة, وإذا كانت الثروة مغتصبــة فـــلن يتحصّل علــــى منتــــوج حضاريّ.

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet