خــديــــجـة

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0


بقلم: منيـار نواصري

وسط ذلك الازدحام، وسط تلك الضّوضاء العارمة، وفي ذلك الوقت المبكّر اتّخذت لنفسها ركنًا تواجه به جأش الحياة. يرتفع صوتها من حين لآخر متباهية بجودة الخضر و الغلال. تسألها زميلاتها عن تلك البقع الزّرقاء وعن ذلك الجرح الغائر المرسوم على أديمها، فتواري الحقيقة المرّة بابتسامة، و لكن…ما الحقيقة؟ ربّما تكمن خلف ذلك السّتار المبهم من المرارة.

هي خديجة… تلك المرأة الكادحة، تصارع قساوة الظّروف، و قد دفعت إلى العذاب دفعًا فتحمّلته خوفًا من طلاق يجرّ عليها وبال المجتمع. ما أكثر النّساء مثلها يتحمّلن العناء بصمت رغم الإهانة و الذلّ المقيت… ها هي تهرول باتّجاه الحقل فجرًا…تجمع خضرها ثمّ تتوجّه إلى ذلك الرّكن الكئيب وسط الازدحام تعرض بضاعتها المتواضعة، وتنتظر ما كتب اللّه لها من رزقٍ… فإذا اشتدّ الزّمهرير وهبّ الجميع إلى المثاوي خوفًا، تنسل خديجة في مشيها نحو البيت النّائي، وهي لم تجن من يومها غير النّصب.

تسلك الثنيّة المختصرة الرّهيبة، تلج أدغالها… تشذب أغصان الغابة وكأنّ آلاف الأيدي الفولاذيّة تعصر مهجتها. تبلغ المبيت متمزّقة، تنفث غبارًا أسود من حلقها المشروخ، ثمّ تضع النّوط المملوء حذوها..

بغتة، ينتصب بعلها الجائر أمامها، يرمقها بنظراتٍ مريعة، يدنو منها، ويدسّ يده الغليظة في جيبها بكلّ قوّة،  فيجد الجيب أجوف، فإذا به يتوغّر، تشتدّ به الموجدة، يظهر فظاظة القول لخديجة… يُزمجر في وجهها مثل كلّ مرّة ثمّ ينهزها، فتقع متألّمة، مستغيثة. تراها تتضرّع إليه، تطلب العفو، فإذا به يصفعها كرّة ثانيةً، ويدوس عليها بقدميه الثّقيلتين حاقدًا ثمّ يُغادرها غاضبًا.

يعمّ المكان صمتٌ رهيب،  تنقبض أنفاس خديجة، و يمرّ أمامها شريط عذابها معه فتنتفض روحها. من الغد، لم تر النّسوة خديجة في ركنها الكئيب، رأوها دون نوط، تسير واثقةً الخطى باتّجاه شارع المحكمة…

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Visit Us
Follow Me
Tweet