تأملات في “جنّة دوبة” الشّعرية لمنير البولاهمي

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

بقلم: الأمين  الكحلاوي

صدرت هذه المجموعة الشّعرية بعنوان “جنّة دوبة” للشّاعر منير البولاهمي عن دار ميارة للنّشر والتّوزيع سبتمبر 2015م. استوحَى الشّاعر البولاهمي عنوان مجموعته”جنّة دوبة” من اسم بلده جندوبة، فللمكان في قصائده مكانة، انتشر في ثنايا قصائده بجنانها الأربع هي جنات تجري من تحتها الأنهار طالما حلم بها الشّاعر، ولطالما اشتاقت نفسه إليها، جنّة الخلد والطهر والنّقاء حيث لا وصب ولانصب لا حروب ولا نزاعات لا شقاء ولا عداوات، بل خضرة دائمة وقطوف من الخير دانية من بوسالم إلى غارالدّماء، زروع ومروج، غابات وآكام وزهور وشذى وعطور.

“هي ذي جنتك الخضراء دوبة” ولقد امتزجت في أشعاره الأحلام والآلام يقع على الجمال فينقله وقد امتزج بالذّات فيتغنى منتشيًا بربوع بلاده شمتو، بلاريجيا، عين دراهم…يحيك من روعة المكان نسج قصائده وهو إلى ذلك يبدو متشائمًا أحيانًا ومتألمّا لواقعه أحيانًا، أقضّ مضجعه ما آل إليه وضع مدينته “إذ أصبحَت جرداء بعد الخُصوبة” وتجاوز وصفه إلى وضع أمّته بل وضع المدنيّة المعاصرة بأشملها: بغداد رمز عروبة العَرب انتهت في حضن عُشاق الدّمار تلوح، فالهمم قد خبت والعزائم قد فترت يقول الشّاعر: يا مهجتي لم لم تستيقظ الهمم؟ والمجد يهدم والأمجاد والقيم.

فالشّاعر البولاهمي متأصل في بيئته غيور على مدينته تواق إلى تحرير أمته، لا يرى إلا مآسي تجتاح وطننا وما عاد للكَلمات فعل ولا أثر ولا للشّعر نهي ولا أمر “ما عاد للشّعر أثر” بل الرّصاص في فلسطين يغتالُ الحَجر ويُسكت صوت الحياة ويخمد أنفاس البَشر. ففلسطين حاضرة في كيانه مقضّة لمضجعه: كيف تغدو جنة العُربان يومًا بعد هذا العمر وكرًا لليهود؟ وفي أشعاره لمسات من السّحر تأسر فؤاده فيهرب من جحيم المأساة وألم الواقع إلى العِشق والهوى: الآن تغمرني السّعادة بالهَوى فيهف بي ما يشبه الإغماء. ويغرق البولاهمي في الشّكوى من جديد، شكوى البُعد والهجر، فكأنّما يحنّ إلى شعر البوادي مكلوم الفؤاد دائم التّرحال شوقًا إلى اللّقاء: ورحلت لكن كنت أعلم أنّني سأراك مهما كلف التّرحال.

وينتشي الشاعر بهموم العشق فتغدو قصيدته” نار الأشواق” أغنية للعُشاق تلتهب فيها مشاعر الوجد، تغذّيها نغمات موسيقيّة جميلةٌ وإيقاعات طروبة ومعاني واضحة كاشفة فاضحة. وكذلك خصّ الشّاعر البولاهمي وطنه تونس بنصيب من الشّعر كشف عن علاقته العميقة به، كأيّ وطني غيور على بلده فجعل له جزء من ذاته: وطنٌ علينا أن نخلد اسمه وله على المرء الإطاعة والولاء.

وكانت قصيدة “قف للرُّسوم” واصلة فاصلة يربط شكلها شاعرنا بتراثه وأمجاد أمته، إ ذ يقف على الأطلال على عادة الأوّلين: يا تونس الخضراء إنّي في الورى لمتيّم بك مقبلٌ إقبالاً، وكذلك قصيدة” حيّاك الله يا وطني”، أنشودة تصف جمال الوطن وتمجّده في وضوح عبارة ولطف إشارة، فينادي الوطن مناجيًا وراجيًا وداعيًا: حيّاك الله يا وطني وحباك برغد ورخاء ويقول في موضع آخر: ألا انعمي يا تونس الأجداد بالأمن والخَيرات والأمجَاد. وفي الختام أقول إنّ هذه القصائد جديرة بمزيد التأمّل والقراءة لما تحمله من إيحاءات شعريّة مكثّفة ولما لكلماتها من جمال العِبارة تُطرب قارئها وتلذّ سامعها.

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0
Visit Us
Follow Me
Tweet