ديكٌ ودجاجةٌ وثلاث عَنزات

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0

بقلم: حسن الستيتي

عندما تصعدُ إلى جبال عين سلطان والفائجة ووشتاتة والمُوخر وجِبال الغُرّة وتنظر من الأعلى إلى الأسفلِ تَرى إمكانياتٍ سياحيّةً كبيرةً مهدورة .هي السّياحة الغابيّة الرّومانسية التي تُطيل العُمر؛ سياحة البُحيرات والوِديان والكُهوف والعُيون الجبليّة العَذبة، هي طاقة سياحيّة لم يَلتفت إليها أحدٌ منذ خُروج فرنسا التي اِتّخذت منها ثكنات لمقاومة الرّجال الأفذاذ الّذين قالوا “لاَ” لسُلطة المحتلّ من “الفَلاّقة” التّونسيين والثُوّار الجزائريّين الّذين لا تَزال مَقابرهم مَاثلةً إلى الآن وسط تِلك الجِبال والغابات. في الحقيقة مناطقنا تُشكّل ثروةً لا نظير لها، لكن في المقابل يُعاني أهلها في هذه الأرياف الفَقرَ المدقع على مرأى ومَسمع من الحُكومات التّونسيّة المتعاقبة من الاستقلال إلى الآن. ومن صميم هذا الواقع البَائس أقدّم لكم، في شكل أدبي شعريّ، صورةً حيّة لعجوز بائسةٍ تعيش في هذه الغابات:

ديكٌ ودجاجتَان وثلاث عَنزات،
ديكٌ ودجاجتان وثلاثُ عنزات،
ترعاهُن عجوزٌ تسكن الغابات.
هنّ كلّ نصيبها من الثّــروات.
وجَروُ كلبٍ مزهوّ بنفســــه،
يُؤنس وحشتها في اللّيالي المظلمات.
من وَراء الفرح في وجهها، تبدو بائسةً بكلّ الدّرجات.
حتى البُؤس كره أن يستقرّ بين تلك القَسمات.
ولكنّ عنادَها جعلها تتحدّى كلّ المستحيلات.
في شَجاعة فائقةٍ وإصرارٍ على حبّ جمال الحياة.
حياة بسيطة سَهلة، لا ترى فيها أيّة صُعوبات.
فهي تقوم عند الفجر لتُؤدّي الصّلوات،
وتَحمد الله في جميعِ الحَالات،
في كلّ صَباح تجلبُ من القُنّ بيضَتيــن،
تُغنيانِها عن كلّ ما في الأكل من شَهوات،
ويَملأ مُحيّاها الفرحُ وتحدُوها الأُمنيـــات،
وعِندما يأتي الرّبيعُ سَتحلبُ العَنزات.
مَا أضيق العَيش لولا العَنْزات والدّجاجات.
أمّا مَسكنُها فهـــــو كُوخ جميــــــــلٌ،
مشيّد من الأخشاب في الفَلوات.
وأمّا وُلاَة الأمر فينصبُون سفرةً ، تئنّ تحتها الطّاولات.
وهم ودومًا يحلُمون بالثّروات.
يَنامُون ويأكلون ويشربُون ويمرحُون.
ويُلقون في البَحر بما فاضَ من أكلات.
وهم يعلمُون أنّ في الغَابة عَجائز كَثيرات.
جَائعات، فَقيرات، بَائسات …
ولكنّ حُكامنا لا يَرتكبُون الحَماقات،
فمُجرّد الحَديث عن هذه الطّبقات،
يُسئ لسُمعَتهم في المحافل والمناسَبات،
فهم أعظم شأناً من هذه الفِئات.
منَ “العَار ” أن يتحدّثُوا عن سَاكني الغَابات.
عن الأطفالِ و الشّيوخ والعَجائز المُعدَمات.
قَدرُهن أنّهن خُلقن فَقيرات، عَاريات، حَافِيات.
وأمّا حُكّامنا فهم سَادات، مُلوك ومَلِكات،
هم لا يَرتكبُون الهَفوات، لا يَرتكبون الحَماقات.
ديكٌ ودجاجَتان وثَلاث عَنزات،
هنّ كلّ نَصيبها من الثّـــــــــــــرَوات،
ما أضيَق العَيش لولا العَنزات والدّجَاجَات.

يمكنك تقييم هذا المقال.
عدد التقييمات: 0
Visit Us
Follow Me
Tweet